للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: وصورتها في رجل تيقين حنثه بطلاق نسائه، أو أعتق إمائه وَأُشْكِلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ كَانَ بِطَلَاقِ النِّسَاءِ أَوْ عِتْقِ الْإِمَاءِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ رَأَى طَائِرًا: إِنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَنِسَائِي طَوَالِقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَإِمَائِي أَحْرَارٌ، وَطَارَ الطَّائِرُ وَلَمْ يَعْلَمْ أَغُرَابٌ كان أو غير غراب، فيصر متقيناً لِلْحِنْثِ فِي أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ فَيَتَعَلَّقُ بشكه هذا أربعة أحكام:

أحدهما: أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُمَا قَبْلَ الْبَيَانِ مَنْعَ تَحْرِيمٍ، فلا يحل له وطئ النِّسَاءِ وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِالْإِمَاءِ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِنَّ تغليباً لحكم الحظر؛ لأن التحريم فيما وَاقِعٌ بِيَقِينِ، وَالشَّكَّ وَاقِعٌ بِالتَّعْيِينِ، فَجَرَى مَجْرَى اخْتِلَاطِ أُخْتِهِ بِأَجْنَبِيَّةٍ يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ؛ لِوُقُوعِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا حُرِّمَ عَلَيْهِ النساء بالشك حرم حُرِّمَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَزَوَّجْنَ غَيْرَهُ بِالشَّكِّ، وَكَذَلِكَ الْإِمَاءُ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَتَصَرَّفْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ، توقف أَمْرُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْبَيَانِ.

(فَصْلٌ:)

وَالْحُكْمُ الثَّانِي: أَنْ يُؤْخَذَ بِنَفَقَاتِ النِّسَاءِ وَنَفَقَاتِ الْإِمَاءِ، وَإِنْ حُرِّمْنَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ نَفَقَاتِهِنَّ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الشَّكِّ، فَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِالشَّكِّ، لَكِنْ يَسْقُطُ حَقُّ الْقَسْمِ لِلنِّسَاءِ لِتَحْرِيمِهِنَّ كَالْمُحَرَّمِ بِالرِّدَّةِ وَالْإِحْرَامِ، وَيُوقَفُ كَسْبُ الْإِمَاءِ أَنْ يتصرفن أو السيد فيه، حتى يتيقن عِتْقُهُنَّ فَيَمْلِكْنَ الْفَاضِلَ مِنْ إِكْسَابِهِنَّ أَوْ سَيْرِ رِزْقِهِنَّ فَتَكُونُ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، فَلَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُنَّ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِنَّ، وَأَرَدْنَ أَنْ يَكْتَسِبْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ وَيُنْفِقْنَ مِنْ كَسْبِهِنَّ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ السَّيِّدِ تَغْلِيبًا لِسَابِقِ الْمِلِكِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُنَّ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّحْرِيمِ.

(فَصْلٌ:)

وَالْحُكْمُ الْآخَرُ أَنْ يُؤْخَذَ بِبَيَانِ الْحِنْثِ، هَلْ كَانَ فِي طَلَاقِ النِّسَاءِ أَوْ عِتْقِ الْإِمَاءِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ بَيَانٌ فَإِنَّ بَيَّنَ شَيْئًا قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ كَانَ مَقْبُولَ الْبَيَانِ فِي الصِّفَةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، فَإِنْ قَالَ: كَانَ الْحِنْثُ بِطَلَاقِ النِّسَاءِ، لِأَنَّ الطَّائِرَ كَانَ غُرَابًا طُلِّقَ النِّسَاءُ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْإِمَاءُ كُنَّ عَلَى رِقِّهِنَّ، وَلَا يَمِينَ، عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبْنَهُ حَلَفَ لَهُنَّ وَكُنَّ عَلَى رِقِّهِنَّ، فَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ لَهُنَّ، رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَلَفْنَ عُتِقْنَ بِأَيْمَانِهِنَّ بَعْدَ نُكُولِهِ وَطُلِّقَ النِّسَاءُ بِإِقْرَارِهِ فَلَوْ أَكْذَبْنَهُ وَلَمْ يَكُنْ إِحْلَافُهُ، فَهَلْ يُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ أم لا؟ عل وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُحَلِّفُهُ؛ لِأَنَّ فِي عِتْقِهِنَّ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى.

وَالثَّانِي: لَا يُحَلِّفُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ فِي تَصْدِيقِهِ مَقْبُولٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَوْ تَجَرَّدَ في حق الله تعالى يحلفن إن صدفه فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِنَّ، وَإِنْ قَالَ: كَانَ الْحِنْثُ بِعِتْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>