للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّرِقَةِ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْعَزْمُ وَحْدَهُ بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْقَطْعُ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْقُرْعَةِ فَإِنْ رَجَعَتْ بِقُرْعَةِ الْإِمَاءِ عَتَقْنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَقَدَ الْيَمِينَ فِي الْمَرَضِ فَيَعْتِقْنَ مِنَ الثُّلُثِ، وَكَانَ النِّسَاءُ زَوْجَاتٍ يُحْكَمُ لَهُنَّ بِالْمِيرَاثِ، لِأَنَّ الْإِرْثَ مُسْتَحَقٌّ قَبْلَ الشَّكِّ فَلِمَ سَقَطَ بِالشَّكِّ كَالنَّفَقَةِ؟ وَإِنْ خرجت القرعة على النساء لم يطلق وَرقَّ الْإِمَاءُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُطَلَّقُ النِّسَاءُ بِالْقُرْعَةِ كَمَا يَعْتِقُ الْإِمَاءُ بِهَا، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَجْتَمِعَانِ فِي وُقُوعِهِمَا عَلَى الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي دُخُولِ الْقُرْعَةِ فِيهِمَا، وَلِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي تَمْيِيزِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، فَكَذَلِكَ فِي تَمْيِيزِ الطَّلَاقِ مِنَ الْعِتْقِ. وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ لَا بِعَيْنِهَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُنَّ. وَلَوْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً مِنْ إِمَائِهِ أَوْ عَبِيدِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْقُرْعَةِ فِي الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ الْقُرْعَةُ فِي الْعِتْقِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ مَحِلُّهُ الْمِلْكُ وَالْقُرْعَةُ تَدْخُلُ فِي الْمَالِ، فَجَازَ أَنْ تَدْخُلَ فِيمَا يَكُونُ مَحِلُّهُ فِي الْمِلْكِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ مَحِلَّهُ النِّكَاحُ، وَالْقُرْعَةُ لَا تَدْخُلُ فِي النِّكَاحِ، فَلَمْ تَدْخُلْ فِيمَا يَكُونُ مَحِلُّهُ النِّكَاحُ، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ خُرُوجَ الْقُرْعَةِ عَلَى النِّسَاءِ لَا يُوقِعُ عَلَيْهِنَّ الطَّلَاقَ فَلَهُنَّ الْمِيرَاثُ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَا يُسْقِطُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ مَنِ ادَّعَتْ طلاقها يكون الطَّائِرِ غُرَابًا فَلَا تَرِثُ لِإِخْبَارِهَا بِسُقُوطِ الْإِرْثِ، فَأَمَّا الْإِمَاءُ فَيَثْبُتُ لَهُنَّ حُكْمُ الرِّقِّ بِخُرُوجِهِنَّ مِنَ الْقُرْعَةِ، وَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ التَّصَرُّفُ فِيهِنَّ لِثُبُوتِ رِقِّهِنَّ، فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا مُنِعَ الْوَرَثَةُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِنَّ كَمَا مُنِعَ السَّيِّدُ، قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ السَّيِّدَ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ الْمَحْظُورُ وَالْمُبَاحُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِمَاءَ وَأَبْضَاعَ النِّسَاءِ، فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، لِاجْتِمَاعِهِمَا يَقِينًا، وَلَيْسَ كذلك للورثة، لأنهمن لا يملكون أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهُمُ الْإِمَاءُ دُونَ أَبْضَاعِ النِّسَاءِ، فَلَمْ يَجْتَمِعِ الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَغْلِبْ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَصَارَ مِلْكًا شُكَّ في حظره بعد الإباحة فأعثر فِيهِ أَصْلُ الْإِبَاحَةِ، فَإِذَا صَحَّ كَوْنُ الْإِمَاءِ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ عَنْهُنَّ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ عَنْهُنَّ لِلشَّكِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي عِتْقِهِنَّ، وَأَنَّ الْقُرْعَةَ لَمْ تَدْخُلْ لِتَحْقِيقِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنَ الطَّلَاقِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا تَدْخُلَ لِتَحْقِيقِ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ مِنَ الْعِتْقِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِنَّ، وَيَجُوزُ التَّوَصُّلُ إِلَى أَخْذِ أَثْمَانِهِنَّ وَيَمْلِك كَسْبَهُنَّ وَلَوْ وُزِّعُوا كَانَ أَوْلَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشُّبْهَةَ عَنْ رِقِّهِنَّ مُرْتَفِعَةٌ، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تَضَمَّنَتْ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. أَمَّا النَّفْيُ فَنَفْيُ عِتْقِ الْإِمَاءِ. وَأَمَّا الإثبات فإثبات طلاق النساء، فإذا لم يعمل فِي إِثْبَاتِ الطَّلَاقِ لَمْ يَتَحَقَّقْ، وَإِذَا عَمِلَتْ فِي نَفْيِ الْعِتْقِ تَحَقَّقَ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لَهُمْ وَطْءُ الْإِمَاءِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِنَّ كَيْفَ شَاءُوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>