للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ:)

فَلَوْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَكَانَ نِكَاحُ إِحْدَاهُمَا فَاسِدًا، وَنِكَاحُ الْأُخْرَى صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ مُرْسَلًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَعَ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَلَمْ يُرْجَعْ إِلَى خِيَارِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إِلَّا عَلَيْهَا، وَكَانَ مُعَيَّنًا فَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا قُبِلَ مِنْهُ هَكَذَا لَوِ اتَّفَقَتِ الزَّوْجَتَانِ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَنِكَاحُ إِحْدَاهُمَا فَاسِدٌ، فَذُكِرَتْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا الَّذِي يَشْتَرِكَانِ فِيهِ، وَقَالَ: أَرَدْتُ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا قُبِلَ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ لَمْ يُقْبَلْ، وَوَافَقَنَا فِي الْعَبْدَيْنِ إِذَا اشْتَرَكَا فِي الِاسْمِ، وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا فَاسِدٌ وَشِرَاءُ الْآخَرِ صَحِيحٌ، وَقَالَ يَا فُلَانُ: أَنْتَ حُرٌّ، وَأَرَادَ الْمُشْتَرَى فَاسِدًا قُبِلَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ. وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ، فَوَجَبَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ هَذِهِ بِالطَّلَاقِ كَانَ إِقْرَارًا مِنْهُ لِلْأُخْرَى) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ كَانَ مَأْخُوذًا بِالْبَيَانِ، فإن كان الطلاق معيناً أخذ (تبيين الْمُعَيَّنَةِ مِنْهُمَا) ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا عَيَّنَهُ فِيمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، ثُمَّ هُمَا إِلَى وَقْتِ الْبَيَانِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ كَالْأَجَانِبِ وَكَالزَّوْجَاتِ فِي النَّفَقَةِ وَإِنَّمَا حُرِّمَتَا مَعًا قَبْلَ الْبَيَانِ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ مِنْهُمَا غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ عَنِ الْمُبَاحَةِ فَغَلَبَ فِيهِمَا حُكْمُ الْحَظْرِ وَالتَّحْرِيمِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، حُرِّمَتَا عَلَيْهِ فِي حَالِ الِاشْتِبَاهِ حَتَّى يَسْتَبِينَ الزَّوْجَةَ مِنَ الْأَجْنَبِيَّةِ.

وَأَمَّا الْتِزَامُ النَّفَقَةِ فَلِأَنَّ المحرمة منهما محتبسة على بيانه الْعَائِدِ إِلَيْهِ عَنْ زَوْجَتِهِ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُشْرِكِ إِذَا أَسْلَمَ عَنْ عَشْرِ زَوْجَاتٍ، كَانَ عَلَيْهِ الْتِزَامُ نَفَقَاتِهِنَّ حَتَّى يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا يُحْبَسُ عَلَى اخْتِيَارِهِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَخْذِهِ بِالْبَيَانِ، لَمْ تَخْلُ الْمُبَيَّنَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَاقُهَا مُعَيَّنًا أَوْ مُبْهَمًا مُرْسَلًا، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا لَمْ يَخْلُ حَالُ بَيَانِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ. إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْوَطْءِ فَإِنْ بُيِّنَ بِالْقَوْلِ صَحَّ، وَهُوَ فِي بَيَانِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُمَا فَتُبَيَّنُ بِهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى، كَقَوْلِهِ وَهُمَا حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ: الْمُطَلَّقَةُ هِيَ حَفْصَةُ فَيُعْلَمُ أَنَّ عَمْرَةَ زَوْجَتُهُ، أَوْ يُبَيِّنُ الزَّوْجَةَ مِنْهُمَا، فَيُعْلَمُ أَنَّ الْأُخْرَى هِيَ مُطَلَّقَةٌ، كقوله عمرة هي الزوجة فيعلم أن عمرة هِيَ الْمُطَلَّقَةُ وَلَكِنْ لَوْ كُنَّ ثَلَاثًا كَانَ أَنْجَزُ الْبَيَانَيْنِ بَيَانَ الْمُطَلَّقَةِ، فَيَقُولُ حَفْصَةُ هِيَ الْمُطَلَّقَةُ، فَيُعْلَمُ بِبَيَانِ طَلَاقِهَا أَنَّ مَنْ سِوَاهَا من الأخرتين زَوْجَةٌ احْتَاجَ إِلَى بَيَانٍ ثَانٍ فِي الأُخْرَتَيْنِ، إِمَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُمَا فَتَكُونَ الْأُخْرَى زَوْجَةً وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ الزَّوْجَةَ مِنْهُمَا فَتَكُونَ الْأُخْرَى مُطَلَّقَةً، فَهَذَا حُكْمُ بَيَانِهِ بِالْقَوْلِ، فَأَمَّا بَيَانُهُ بِالْوَطْءِ وَهُوَ أَنْ يَطَأَ إِحْدَاهُمَا، فَلَا يكون وطئه بياناً لزوجته الموطوءة، وتعيين الطَّلَاقِ فِي الْأُخْرَى، فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا كَانَ الْوَطْءُ بَيَانًا كَمَا لَوْ قَالَ: بَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>