للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ وَطِئَهَا الْبَائِعُ فِي زمان خياره كان وطئه بَيَانًا لِفَسْخِ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ لَا يَطَأُ إِلَّا فِي مِلْكٍ، فَكَذَلِكَ لَا يَطَأُ إِلَّا زَوْجَةً. قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ بَيَانُهُ، وَالْمِلْكُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَصَحَّ فَسْخُهُ فِي الْبَيْعِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالْوَطْءِ مُبَيِّنًا عَنِ الطَّلَاقِ، سُئِلَ عَنْ بَيَانِ الْمُطَلَّقَةِ قَوْلًا، فَإِنْ بَيَّنَ الْمُطَلَّقَةَ عَنِ الْمَوْطُوءَةِ صَارَ وَاطِئًا لِزَوْجَتِهِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ دُونَ الْبَيَانِ، وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ هِيَ الْمَوْطُوءَةُ صَارَ وَاطِئًا لِأَجْنَبِيَّةٍ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، إِنْ عَلِمَ دُونَهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ وَعِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ دُونَ الْبَيَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ فِي زمان العدة أم بَعْدَ انْقِضَائِهَا إِذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنَ الْوَطْءِ إِنْ حُدَّ، لِأَنَّهُ زِنًا، وَاعْتَدَّتْ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُحَدَّ، لِأَنَّهُ شِبْهٌ.

(فَصْلٌ:)

وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ مُبْهَمًا، لَمْ يُعْتَبَرْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَأَرْسَلَ نِيَّتَهُمَا كَانَ مخيراً في إيقاعه على أتيهما شَاءَ وَأَخَذَ بِتَعْيِينِهِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ بِالْقَوْلِ صَحَّ، فَإِنْ عَيَّنَهُ بِالْوَطْءِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْيِينُهُ كَمَا يَصِحُّ بِهِ فَسْخُ الْمَبِيعَةِ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ الْمُعَيَّنِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْوَطْءُ فِيهِ بَيَانًا، وَبَيَانُ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ حَيْثُ صَارَ الْوَطْءُ فِيهِ بَيَانًا، أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَيَّنَ لَا خِيَارَ فِي تَعْيِينِهِ، فَلَمْ يَكُنِ اخْتِيَارُهُ لِلْوَطْءِ تَعْيِينًا، وَالطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارُهُ لِلْوَطْءِ تَعْيِينًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْيِينُهُ بِالْوَطْءِ، وَإِنْ صَحَّ بِالْوَطْءِ فُسِخَ الْبَيْعُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا جَعَلْنَا الْوَطْءَ تَعْيِينًا لِلطَّلَاقِ، كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ زَوْجَةً وَصَارَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا عَلَى غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ. وَإِذَا لَمْ يجْعَلِ الْوَطْءَ تَعْيِينًا للطلاق، أخذ بتعيينه قولاً واحداً، وهل يلزم تعيينه في غير الموطوءة أَنْ يَكُونَ عَلَى خِيَارِهِ فِي تَعْيِينِهِ فِي أيتهما المطلقة على وجهين:

أحدهما: يلزم تَعْيِينُهُ بِالْقَوْلِ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ لِيَكُونَ الْوَطْءُ لِزَوْجَتِهِ:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى خِيَارِهِ فِي تَعْيِينِهِ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ، كَمَا لَوْ كَانَ مُخَيَّرًا لَوْ لَمْ يَطَأْ فَعَلَى هَذَا إِنْ عَيَّنَهُ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ تَعَيَّنَ فِيهَا، وَكَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ زَوْجَتَهُ، وَإِنْ عَيَّنَهُ فِي الْمَوْطُوءَةِ تَعَيَّنَ فِيهَا، وَهَلْ يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بِهَذَا التَّعْيِينِ، أَوْ يَكُونُ وَاقِعًا بِاللَّفْظِ الْمُقَدَّمِ؟ عَلَى وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>