للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي التَّعْيِينِ وَتَكُونُ الْمُعَيَّنَةُ قَبْلَ التَّعْيِينِ وَبَعْدَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ زَوْجَتَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة: إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَنَّ الْوَطْءَ صادفها وهي غير زوجة، عير أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِحَالٍ، لِأَنَّهَا كَانَتْ جَارِيَةً فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ لِتَخْيِيرِهِ تَعْيِينَ الطَّلَاقِ فِي غَيْرِهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ قِيلَ: إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالتَّعْيِينِ الْمُتَأَخِّرِ، فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّعْيِينِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ فَفِي الْعِدَّةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ لَا مِنَ الْعِدَّةِ بِتَعَقُّبِ الطَّلَاقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ التَّعْيِينِ الْمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الطَّلَاقُ اعْتِبَارًا بِالتَّغْلِيظِ في الأمرين.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (ولو قال أخطأت بل هي هذه طلقتنا مَعًا بِإِقْرَارِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ طَلَّقَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَأَخَذَ بِبَيَانِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا، فَقَالَ: هِيَ هَذِهِ لَا بَلْ هَذِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُوقِعِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا أَوْ مُبْهِمًا، فَإِنْ كَانَ مُعَيِّنًا فَقَالَ: هذه لا بل هذه طلقتنا مَعًا، لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا هُوَ إِقْرَارٌ بِوُقُوعِهِ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِذَا قَالَ: بَلْ هَذِهِ صَارَ مُقِرًّا بِطَلَاقِهَا، فَإِذَا قَالَ: لَا بَلْ هَذِهِ صَارَ مُقِرًّا بِطَلَاقِ الْأُخْرَى رَاجِعًا عَنْ طَلَاقِ الْأُولَى، فَقُبِلَ إِقْرَارُهُ بِالثَّانِيَةِ وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنِ الْأُولَى كَمَنْ قَالَ: عَلَيَّ لِزَيْدٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ، لَا بَلْ هِيَ عَلَى عَمْرٍو، كَانَ مُقِرًّا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَلْفٍ، لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو يَجْعَلُهُ مُقِرًّا لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو. وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ مُبْهَمًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا تُطَلَّقَانِ مَعًا كَالطَّلَاقِ الْمُعَيَّنِ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نقول: إِنَّ الْبَيَانَ فِي الْمُبْهَمِ يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِاللَّفْظِ دُونَ التَّعْيِينِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُطَلِّقُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ: إِنَّ الْبَيَانَ فِي الْمُبْهَمِ يُوجِبُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالتَّعْيِينِ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالْمُبْهَمِ، أَنَّ الْبَيَانَ فِي الْمُعَيَّنِ إقراراً، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي إِقْرَارًا كَالْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي الْمُبْهَمِ طَلَاقٌ، وَلَمْ يَكُنِ الثَّانِي طَلَاقًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ إِشَارَةٌ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بمجرد الإشارة.

[(فصل:)]

وإذا كان له ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ، وَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ طَلَاقًا مُعَيَّنًا، وَأَخَذَ بِبَيَانِهَا، فَقَالَ: هِيَ هَذِهِ، بَلْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ، طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِطَلَاقِهِنَّ كُلِّهِنَّ، فَلَوْ قَالَ: هِيَ هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانٌ لِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>