للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ: لَا تُطَلَّقَا حَتَّى تَدْخُلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الدَّارَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِدُخُولِ الدَّارَيْنِ، لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا بِدُخُولِهِمَا مَعًا، فَكَذَلِكَ إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَمْ تُطَلَّقْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَّا بِدُخُولِ الدَّارَيْنِ مَعًا، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: إِنْ رَكِبْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَرَكِبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ قَالَ إِنْ أَكَلْتُمَا هَذَيْنِ الرَّغِيفَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَأَكَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَحَدَ الرَّغِيفَيْنِ كَانَ طَلَاقُهُمَا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

(فَصْلٌ آخَرُ:)

فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، فَمَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ أَنْ تُطَلَّقَ لَمْ تُطَلَّقْ قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، تَعْلِيلًا بِأَنَّ مُضِيَّ الْيَوْمِ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْيَوْمِ فَلَيْسَ يُوجَدُ شَرْطُ الطَّلَاقِ، إِلَّا وَقَدِ انْقَضَى مَحِلُّ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ.

وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ فَوَاتُهُ فِي الْيَوْمِ، وَإِذَا بَقِيَ مِنْ آخِرِهِ مَا يضيف عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَذَلِكَ الزَّمَانُ لَا يَضِيقُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ ضَاقَ عَنْ لَفْظِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ وَهَذَا فَاسِدٌ، وَقَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَوْلَى، لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَزَمَانُ لَفْظِهِ وَزَمَانُ وُقُوعِهِ مِثْلَانِ، فَإِذَا ضَاقَ عَنْ أَحَدِهِمَا ضَاقَ عَنِ الْآخَرِ.

وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ فَلَمْ يَبِعْهُ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ، طُلِّقَتْ وَصَحَّ فِيهِ تَعْلِيلُ أَبِي حَامِدٍ، لِأَنَّ زَمَانَ الْبَيْعِ أَوْسَعُ مِنْ زَمَانِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى بَذْلِ الْبَائِعِ وَقَبُولٍ مِنَ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا ضَاقَ عَنِ اللَّفْظَيْنِ فِي الْبَيْعِ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَهُوَ لَا يَضِيقُ عَنِ الطَّلَاقِ الَّذِي يَقَعُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَبِعْ عَبْدِي الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، فَأَعْتَقَهُ طُلِّقَتْ لِفَوَاتِ بَيْعِهِ بِالْعِتْقِ، وَفِي زَمَانِ طَلَاقِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَقِيبَ عِتْقِهِ.

وَالثَّانِي: فِي آخِرِ الْيَوْمِ إِذَا ضَاقَ عَنْ وَقْتِ الْبَيْعِ، لَوْ كَانَ بَيْعُهُ مُمْكِنًا وَلَكِنْ لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا بِفَوَاتِ بَيْعِهِ، لِأَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ الْمُكَاتِبُ كِتَابَتَهُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ لَا أُطَلِّقُكِ فَإِذَا مَضَى يَوْمٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ طُلِّقَتْ بِالْحِنْثِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، طُلِّقَتْ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ وَقْتٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ دَارَ زَيْدٍ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَلَمْ يُرَاعَ فِيهِ مُضِيُّ الْيَوْمِ، قَالَ: لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِمِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ دُونَ الْيَوْمِ الْمُقَدَّرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الأنعام: ١٦] . يُرِيدُ بِهِ الْوَقْتَ وَلَا يُرِيدُ بِهِ نَهَارَ الْيَوْمِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ إِنْ صَحَّ فِي قَوْلِهِ: لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، صَحَّ في

<<  <  ج: ص:  >  >>