للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلشَّرْطِ تَأْثِيرٌ فِي إِجْبَارِهِ عَلَى طَلَاقِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا مُخْتَارًا أَحَلَّهَا قَوْلًا وَاحِدًا لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَالْمَخْرَجُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِحْلَالَ وَأَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ فَسَادِ الْعَقْدِ وَمِنَ امْتِنَاعِ الثَّانِي مِنَ الطَّلَاقِ، وَمِنْ إِحْبَالِهَا بِالْوَطْءِ، أَنْ تُزَوَّجَ بِعَبْدٍ مُرَاهِقٍ لَمْ يَبْلُغْ، فَإِذَا أَصَابَهَا وُهِبَ لَهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بِالْهِبَةِ، لِأَنَّهَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا، وَقَدْ حَلَّتْ بِإِصَابَتِهِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَأَمِنَتْ مِنْهُ الْإِحْبَالَ لعدم البلوغ.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ أَصَابَ الذِّمِّيَّةَ زَوْجٌ ذِمِّيٌّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَحَلَّهَا لِلْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ زَوْجٌ وَرَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَلَا يَرْجُمُ إِلَّا مُحْصَنًا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا طَلَّقَ الْمُسْلِمَ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ ثَلَاثًا فَنَكَحَتْ زَوْجًا ذِمِّيًّا، وَأَصَابَهَا حَلَّتْ بِإِصَابَتِهِ لِلْمُسْلِمِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُحِلُّهَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي فَسَادِ مَنَاكِحِهِمْ، وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَذَكَرْنَا الْعَفْوَ عَنْ مَنَاكِحِهِمْ، وَجَوَازَ الْإِقَامَةِ عَلَيْهَا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَقَدْ أَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ عَلَى نِكَاحِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَلَا يَرْجُمُ إِلَّا مُحْصَنَيْنِ، وَلَا يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ إِلَّا بِالْإِصَابَةِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّهُ نِكَاحٌ يُقِرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الصِّحَّةِ كَنِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي: (وَلَوْ كَانَتِ الْإِصَابَةُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا لَمْ تُحِلَّهَا الْإِصَابَةُ لِأَنَّهَا محرمة في تلك الحال (قال المزني) لَا مَعْنَى لِرُجُوعِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا عِنْدَهُ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي الَّتِي قَدْ أَحَلَّتْهَا إصابته إياها للزوج قبله فإن كانت غير مدخول بها فقد انفسخ النكاح في قوله ولها مهر مثلها بالإصابة وإن كانت مدخولا بها فقد أحلها إصابته إياها قبل الردة فكيف لا يحلها؟ فتفهم) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجًا فَأَصَابَهَا الزَّوْجُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَوْ رِدَّتِهَا لَمْ يُحِلَّهَا الْوَطْءُ فِي الرِّدَّةِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ جَارِيَةٌ فِي فُرْقَةٍ فَصَارَ الْوَطْءُ فِيهِ مَعَ تَحْرِيمِهِ مُصَادِقًا لِعَقْدِ مُسْلِمٍ يُفْضِي إِلَى فَسْخٍ، فَزَالَ عَنْهُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَالَفَ الصَّائِمَةَ وَالْمُحْرِمَةَ وَالْحَائِضَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَقَدْ صَادَفَ عَقْدًا كَامِلًا لَمْ يَتَثَلَّمْ شَيْءٌ مِنْهُ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِي الْإِبَاحَةِ.

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ إِنْ طَرَأَتْ عَلَى النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَ العقد، وكان الوطء بعده

<<  <  ج: ص:  >  >>