للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِتْقَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى نَاجِزًا، فَهَذَا فَرْقُ ما بينهما وإذا كان كذلك فإيلاؤه إن هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ تَعْيِينِ عِتْقِهِ بِهَذَا النَّذْرِ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ بِهَذَا النَّذْرِ تَعْيِينُ عِتْقِهِ إِلَّا أَنَّهُ نذر لجاج خرج مخرج اليمين فكان فيه بَعْدَ اللُّزُومِ مُخَيَّرًا بَيْنَ عِتْقِهِ الْتِزَامًا لِحُكْمِ النَّذْرِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ الْتِزَامًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ، فَصَارَ بِالتَّخْيِيرِ فِي الْتِزَامِ أَحَدِهِمَا مُلْتَزِمًا بِالْإِصَابَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا قَبْلَهَا فَلِذَلِكَ صَارَ مُولِيًا.

وَقَالَ الْمُزَنِيُّ لَا يَلْزَمُهُ بِهَذَا النَّذْرِ تَعْيِينُ الْعِتْقِ وَلَا يَكُونُ بِتَعْيِينِهِ مُولِيًا احْتِجَاجًا بِالصَّوْمِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ، فَنَذَرَ أَنْ يَصُومَ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَمْ يَتَعَيَّنْ صَوْمُهُ فِيهِ، وَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ صَوْمِهِ أَوْ صَوْمِ غَيْرِهِ كَذَلِكَ الْعِتْقُ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الظِّهَارِ فَعَيَّنَهُ بِالنَّذْرِ فِي عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ، وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ عِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ عِتْقِ غَيْرِهِ وَاحْتُجَّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يُوجِبُ التَّعْيِينَ فِي الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِغَيْرِ النَّذْرِ وَالْعِتْقِ وَالصَّوْمِ قَدْ وَجَبَ بِغَيْرِ النَّذْرِ، وَلَيْسَ فِي التَّعْيِينِ زِيَادَةٌ فِي الْوُجُوبِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنَا وَلَمْ يَصِرْ مُولِيًا بِتَعْيِنِ الْعِتْقِ كَمَا لَمْ يَصِرْ مُولِيًا بِتَعْيِنِ الصَّوْمِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ خَطَأٌ، أَمَّا تَعْيِينُ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ فَوَاجِبٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ وَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدِيَ هَذَا عَنِ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيَّ فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ تَعَيَّنَ عِتْقُ الرَّقَبَةِ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ وَيَكُونُ أَصْلُ الْعِتْقِ مُسْتَحَقًّا بِالْوُجُوبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَعْيِنُهُ مستحق بالنذر الحادث مستوي فِي تَعْيِينِ الْعِتْقِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَأَمَّا تَعْيِينُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: حَكَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ كَالْعِتْقِ حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَاجِبٍ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي عَلَيَّ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ، فَشَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ لَزِمَهُ صَوْمُهُ فِيهِ، فَيَسْتَوِي تَعْيِينُ الصَّوْمِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ كَالْعِتْقِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالنَّذْرِ فِي الِانْتِهَاءِ، كَمَا يَتَعَيَّنَانِ بِالنَّذْرِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْحُقُوقِ أَشَقُّ وَأَثْقَلُ مِنْ إِرْسَالِهَا فَصَارَ مُلْتَزِمًا بِالتَّعْيِينِ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ وَثِقَلٍ لَمْ يَكُنْ فَلِذَلِكَ وَجَبَ بِالنَّذْرِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ، كَمَا يَكُونُ مُولِيًا بِتَعْيِينِ الْعِتْقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي (الْأُمِّ) : أَنَّ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَالْعِتْقَ الْوَاجِبَ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ يَتَسَاوَى فَصَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ كَيَوْمِ الْأَحَدِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا زِيَادَةٌ وَلَا تُفَاضُلٌ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ مَا وَجَبَ مِنْهُ بِالنَّذْرِ لِتَسَاوِيهِ وَعِتْقَ الرِّقَابَ يَتَفَاضَلُ فَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>