للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْمُدَّةُ الْمُطْلَقَةُ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ فَإِطْلَاقُهَا يَقْتَضِي الْأَبَدَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ أَبَدًا وَالتَّلَفُّظُ بِالْأَبَدِ هَاهُنَا تَأْكِيدٌ فَهَذَا أَقْوَى.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُقَدَّرُ بِالزَّمَانِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ إِلَى سَنَةِ كَذَا أَوْ إِلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ إِلَى يَوْمِ كَذَا، فَيُنْظَرُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا وَإِنْ تَقَدَّرَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ فَهُوَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ بِهِ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ حَتَّى تَصْعَدِي السَّمَاءَ أَوْ حَتَّى تُصَافِحِي الثُّرَيَّا أَوْ حَتَّى تُعِدِّي رَمْلَ عَالِجٍ أَوْ حَتَّى تَنْقُلِي جَبَلَ أَبِي قَبِيسٍ أَوْ حَتَّى تَشْرَبِي مَاءَ الْبَحْرِ، وَمَا شَابَهَ كُلَّ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُولِيًا لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ فَكَانَ ذِكْرُهَا لَغْوًا وَصَارَ الْإِيلَاءُ مَعَهَا مُرْسَلًا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ بِهِ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِلْقَطْعِ وَالْإِحَاطَةِ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى تَقُومَ الْقِيَامَةُ، فَهَذَا مُولٍ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَتَقَدَّمُ الْقِيَامَةَ أَشْرَاطٌ منذرة فنحن إذا لم نر أشراطها على يَقِينٍ مِنْ تَأَخُّرِهَا عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا كَانَ بِهِ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ مُولِيًا فِي الْبَاطِنِ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ لَا أَصَبْتُكِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أَوْ حَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ أَوْ حَتَّى يَخْرُجَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الَّتِي الْأَغْلَبُ تَأَخُّرُهَا عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، وَإِنْ جَازَ فِي الْمُمْكِنِ تَقَدُّمُهَا فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُ بِهَا مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَأَلْزَمْنَاهُ بِهَا حُكْمَ الْمُولِي فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ كُلَّهَا كَالْقِيَامَةِ فِي أَنَّهُ يَكُونُ بِهَا مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، لِأَنَّ لَهَا أَمَارَاتٌ مُنْذِرَةً كَالْقِيَامَةِ تَتَأَخَّرُ قَبْلَ وُجُودِهَا عَنْ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ.

وَالْأَصَحُّ مِنْ إِطْلَاقِ هَذَيْنِ أَنْ يُقَالَ مَا صَحَّتْ بِهِ أَخْبَارُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ أَنَّهَا تَتَرَتَّبُ فَيَكُونُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ كَنُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ ظُهُورِ الدَّجَّالِ، كَانَ إِيلَاؤُهُ إِلَى نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِيلَاؤُهُ إِلَى ظُهُورِ الدَّجَّالِ ظَاهِرًا دُونَ الْبَاطِنِ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ مِنْهَا فَهُوَ بِهِ مُولٍ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَهَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يُفِيدُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْإِيلَاءِ فِيهِمَا لَا يَخْتَلِفُ، فَأَمَّا إذا قال: والله أَصَبْتُكِ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي فَهُوَ مِمَّا يَكُونُ بِهِ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ [دُونَ الْبَاطِنِ] ، لِجَوَازِ مَوْتِهِمَا قَبْلَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَعَ جَوَازِ الْمَوْتِ قَبْلَ الْمُدَّةِ مُولِيًا فِي الظاهر لعلتين:

<<  <  ج: ص:  >  >>