للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُسُكًا بَيْنَ مُبَاحَةٍ لِلْحَاجَةِ وَمَحْظُورَةٍ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا كَذَلِكَ الْفَيْئَةُ والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (ولو قال أجلني في الجماع لم أوجله أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ فَإِنْ جَامَعَ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَعَلَيْهِ الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ وَلَا يبين أن أوجله ثَلَاثًا وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ كَانَ مَذْهَبًا فَإِنْ طَلَّقَ وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً (قَالَ المزني) رحمه الله تعالى قد قطع بأنه يجبر مكانه فإما أن يفيء وإما أن يطلق وهذا بالقياس أولى والتأقيت لا يجب إلا بخبر لازم وكذا قال في استتابة المرتد مكانه فإن تاب وإلا قتل فكان أصح من قوله ثلاثا) .

قال الماوردي: أما إِذَا سَأَلَ الْإِنْظَارَ بِالْفَيْئَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهَا بِالْمَرَضِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ فَيْءَ مَعْذُورٍ عَلَى مَا مَضَى، فَإِذَا سَأَلَ الْإِنْظَارَ بِهَا بِغَيْرِ مَرَضٍ فَالْمُدَّةُ تَنْقَسِمُ فِي إِنْظَارِهِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، قِسْمٌ يُجَابُ إِلَيْهِ، وَقِسْمٌ لَا يُجَابُ إِلَيْهِ، وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي يُجَابُ إِلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ إِنْظَارَ يَوْمِهِ أَوْ إِنْظَارَ لَيْلَتِهِ فَهَذَا يُجَابُ إِلَى مَا سَأَلَ مِنْ إِنْظَارِ يَوْمِهِ أَوْ لَيْلَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ جَائِعًا فَأُمْهِلَ لِأَكْلِهِ أَوْ شَبِعًا فَأُمْهِلَ لِهَضْمِهِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَيُنْظَرُ لَهُ لِيَهْدَأَ بَدَنُهُ إِلَى وَقْتٍ يُعْرَفُ أَنَّهُ زَالَ ذَلِكَ الْعَارِضُ الَّذِي يَضْطَرِبُ الْبَدَنُ لَهُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ يَكُونُ بِأَسْبَابِ مُحَرِّكَةٍ تَخْتَلِفُ النَّاسَ فِيهَا فَأُمْهِلَ لَهَا.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: الَّذِي لَا يُجَابُ إِلَيْهِ فَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ الْإِنْظَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا يُجَابُ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي حَدِّهِ الْكَثْرَةُ وَلِأَنَّهُ لَوْ أُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ لَزَادَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ عَلَى النَّصِّ، وَصَارَ بِاسْتِنْظَارِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ كَالْمُمْتَنِعِ مِنَ الْفَيْئَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُحْبَسُ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، فَهُوَ إِذَا سَأَلَ إِنْظَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي إِجَابَتِهِ إِلَيْهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُجَابُ إِلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّةِ النَّصِّ وَلِأَنَّهَا تَقْتَضِي تَأْخِيرَ حَقٍّ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَالدُّيُونِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ الْإِنْظَارُ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُجَابُ إِلَى إِنْظَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا حَدٌّ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَهِيَ حَدٌّ لِأَكْثَرِ الْقَلِيلِ وَأَقَلِّ الْكَثِيرِ، فَلَمَّا نُظِرَ بِالْقَلِيلِ جَازَ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى غَايَةِ حَدِّهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْعَدَ بِعَذَابٍ قَرِيبٍ أَنْظَرَ فِيهِ ثَلَاثًا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَمَسُّوهَا بسوء

<<  <  ج: ص:  >  >>