للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالشِّرَاءِ عَائِدًا وَلَا بَعْدَهُ وَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ الْعَوْدِ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْعَوْدَ أَنْ يُمْسِكَهَا زَوْجَةً وَهَذِهِ بِالشِّرَاءِ عُقَيْبَ الظِّهَارِ خَارِجَةٌ مِنَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلِأَنَّ الشِّرَاءَ أَرْفَعُ لِلزَّوْجِيَّةِ مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَلِأَنَّ الْعَوْدَ تَابِعٌ لِلظِّهَارِ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ الظِّهَارُ إِلَّا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَوْدُ إِلَّا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ بِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ وَهِيَ زَوْجَتُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَهِيَ زَوْجَةٌ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ عَائِدًا بِالشِّرَاءِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَتَحِلُّ لَهُ كَالْأَمَةِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ ظِهَارُهَا، وَوَجَدْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ قَالَ: إِنْ كَانَ الشِّرَاءُ عُقَيْبَ الظِّهَارِ بِأَنِ ابْتَدَأَ الزَّوْجُ بِالطَّلَبِ فَقَالَ لِلْمَالِكِ: بِعْنِي فَقَالَ: قَدْ بِعْتُ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا لِأَنَّهُ شَرَعَ عُقَيْبَ ظِهَارِهِ فِيمَا يَرْفَعُ الزَّوْجِيَّةَ فَلَمْ يَكُنْ عَائِدًا كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الطَّلَاقِ، وَإِنِ ابْتَدَأَ الْمَالِكُ عُقَيْبَ ظِهَارِهِ بِالْبَذْلِ فَقَالَ: [قَدْ] بِعْتُكَ فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ قَبِلْتُ صَارَ عَائِدًا لِأَنَّ بَذْلَ الْمَالِكِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إِلَى فِعْلِ الزَّوْجِ فَصَارَ الزَّوْجُ فِي زَمَانِ الْبَذْلِ مُمْسِكًا عَنْ رَفْعِ الزَّوْجِيَّةِ وَمَا يَعْقُبُ الْبَذْلَ مِنْ قَبُولِهِ الرَّافِعِ لِلزَّوْجِيَّةِ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانِ الْعَوْدِ فَلِذَلِكَ صَارَ عَائِدًا وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَامْتَنَعَ مِنْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلِهَذَا الْوَجْهِ وَجْهٌ بَيِّنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يَلْزَمُ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ إِلَّا مِنْ سكر (وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) فِي ظِهَارِ السَّكْرَانِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ وَالْآخَرُ لَا يَلْزَمُهُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رحمه الله تعالى يَلْزَمُهُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِأَقَاوِيلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَشْبَهُ بالحق عندي إذا كان لا يميز (قال المزني) رحمه الله وعلة جواز الطلاق عنده إِرَادَةِ الْمُطَلِّقِ وَلَا طَلَاقَ عِنْدَهُ عَلَى مُكْرَهٍ لِارْتِفَاعِ إِرَادَتِهِ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَى ما يقول لا إرادة له كالنائم فَإِنْ قِيلَ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ أَوَلَيْسَ وَإِنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ في معنى ما أدخله على غيره من ذهاب عقله وارتفاع إرادته وَلَوِ افْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ لِاخْتِلَافِ نسبته من نفسه ومن غيره لَاخْتَلَفَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبِ نَفْسِهِ وَحُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ بِذَلِكَ طَلَاقُ بعض المجانين فَإِنْ قِيلَ فَفَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ وَلَا يلزم المجنون قيل وكذلك فَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ النَّائِمَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ فهل يجيز طلاق النوم لوجوب فرض الصلاة عليهم فإن قيل لا يجوز لأنه لا يعقل قيل وكذلك طلاق السكران لأنه لا يعقل قال الله تعالى: {ولا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تقولون} فَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَلَاةٌ حَتَّى يَعْلَمَهَا وَيُرِيدَهَا وكذلك لَا طَلَاقَ لَهُ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>