للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي فَقَالَ: " أَنْتَ إِمَامُهُمْ فَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا ". وَلِأَنَّ مَا بِيَدِ الْإِمَامِ مُرْصَدٌ لِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ الْمَاسَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُتَطَوِّعًا بِالْأَذَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ عَلَيْهِ رِزْقًا، وَمَنَعَ أبو حنيفة مِنْهُ، وَمِنْ سَائِرِ الْقُرَبِ أَنْ يُؤْخَذَ رِزْقٌ عَلَيْهَا، وَالْكَلَامُ مَعَهُ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ " الْحَجِّ " غَيْرَ أَنَّ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى حَسْبِ مَا يَقْتَضِيهِ ها هنا مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رزق مؤذنه، وَلِأَنَّ مَا بِيَدِ الْإِمَامِ مَصْرُوفٌ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا مِنْهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْمُؤَذِّنَ أُجْرَةً، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ رِزْقًا، لِأَنَّ أَعْمَالَ الْقُرَبِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، قَسْمٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عَنِ الْغَيْرِ وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعُهُ؛ كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَيْهَا أُجْرَةٌ، وَقِسْمٌ يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عَنِ الْغَيْرِ، كَالْحَجِّ فَيَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَقِسْمٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عَنِ الْغَيْرِ لَكِنْ قَدْ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْغَيْرِ، كَالْأَذَانِ، [وَالْإِقَامَةِ] ، وَالْقَضَاءِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ، كَالْجِهَادِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَلَا يَرْزُقُهُ إِلَّا مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولا يجوز أن يرزقه من الفيء ولا من الصدقات لأن لكل مالكا موصوفا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ رِزْقُ الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ، وَالْقَاضِي يَكُونُ مِنْ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ، وَالْمَالُ الْمُعَدُّ لِلْمَصَالِحِ هُوَ خُمْسُ الْخُمْسِ مِنَ الْفَيْءِ وَالْمَغَانِمِ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ مُرْصَدٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ فَأَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا مِنْهَا، لِأَنَّهَا مَالُ الْغَانِمِينَ، وَأَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ، فَعَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لِلْجَيْشِ خَاصَّةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ فِي غَيْرِهِمْ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ فِي أَرْزَاقِ الْمُؤَذِّنِينَ، وَالْأَئِمَّةِ، وَالْقُضَاةِ، وَأَمَّا أَمْوَالُ الزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ فَذَلِكَ لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنَ الْفُقَرَاءِ، وَأَهْلِ السَّهْمِ الْمَذْكُورِينَ لَهَا لَا يَجُوزُ أن تصرف في غيرهم.

[(مسألة)]

: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَأُحِبُّ الْأَذَانَ لِمَا جَاءَ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ وَالْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ فَأَرْشِدِ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وغفر للمؤذنين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>