للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْأَذَانُ فَالْقِيَامُ بِهِ فَضِيلَةٌ، وَفِي الِانْقِطَاعِ إِلَيْهِ وَالتَّشَاغُلِ بِهِ قُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ.

رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي التَأْذِينِ لَتَنَافَسُوا فِيهِ}

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ القيامة "

وفي ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ رَجَاءً وَأَمَلًا، وَمِنْ قَوْلِهِمْ عُنُقِي إِلَيْكَ مَمْدُودٌ

وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ جَمْعًا، وَأَظْهَرُهُمْ حِزْبًا، مِنْ قَوْلِهِمْ رَأَيْتُ عُنُقًا مِنَ النَّاسِ أَيْ: جَمْعًا

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ إِسْرَاعًا إِلَى الْخَيْرِ، مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَسِيرُ الْعُنُقَ أَيْ: يُسْرِعُ فِي السَّيْرِ

وَرَوَى زِيَادٌ أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: " لَوْ كُنْتُ مُؤَذِّنًا مَا بَالَيْتُ أَلَّا أُجَاهِدَ، وَلَا أَحُجَّ، وَلَا أَعْتَمِرَ بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ "

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: " ما أتسامح على شئ إِلَّا أَنَّنِي كُنْتُ سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأذان للحسن والحسين - والله أعلم - "

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ فَضْلُ الْأَذَانِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَالْإِقَامَةُ فَضِيلَةٌ أَيْضًا وَالْقِيَامُ بِهَا سُنَّةٌ، رَوَى الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ اللَّهُمَّ فأرشد الأئمة وأغفر للمؤذنين "

فإذا قِيلَ: فَأَيُّمَا أَفْضَلُ الْأَذَانُ أَوِ الْإِقَامَةُ قُلْنَا للإنسان فِيهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُمْكِنَهُ الْقِيَامُ بهما والفراغ لهما والجمع بينهما أولى لحوز شَرَفِ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَثَوَابِ الْفَضِيلَتَيْنِ

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنِ الْإِمَامَةِ لِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَضَعْفِ قِرَاءَتِهِ، وَيَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْأَذَانِ، لِعُلُوِّ صَوْتِهِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَوْقَاتِ فَأَوْلَى بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْأَذَانِ، فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْإِمَامَةِ

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنِ الْأَذَانِ لِضَعْفِ قُوَّتِهِ وَقِلَّةِ إِبْلَاغِهِ وَيَكُونَ قَيِّمًا بِالْإِمَامَةِ، لِعِلْمِهِ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَصِحَّةِ قِرَاءَتِهِ، فَالْأَفْضَلُ لِهَذَا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا وَلَا يُنْتَدَبُ للأذان

<<  <  ج: ص:  >  >>