للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: المعتبر في وصف الإسلام بثلاثة أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ.

وَالثَّانِي: الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ.

وَالثَّالِثُ: الِاعْتِبَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ.

فَأَمَّا الشَّهَادَتَانِ فَهُوَ قَوْلُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَهَذَا شَرْطٌ فِي إِسْلَامِهِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخَذَهُ عَلَى كُلِّ مِنْ أَخَذَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ.

وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لَا يَصِحُّ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِهِ أَمْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ اسْتِحْبَابٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَاجِبٍ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ مِنْ سَائِرِ الْأَدْيَانِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي ثُبُوتِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ شَرْطٌ وَاجِبٌ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إِلَّا بِهِ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ عَنْ شَهَادَتِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ أَتَى فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ عَنْ أُمُورٍ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ فَأَخْبَرَهُ بِهَا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ مُحِقٌّ فَقَالَ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُبَايِعُونِي فَقَالَ: نَخَافُ أَنْ يَقْتُلَنَا يَهُودُ لِأَنَّ دَاوُدَ دَعَا أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ النُّبُوَّةَ فِي وَلَدِهِ فَلَمْ يُجْرِ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حُكْمَ الْإِسْلَامِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِنُبُوَّتِهِ وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَشْهَدُ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ دِينِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ الْإِسْلَامِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَرُّوذِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ إِلَى إِسْمَاعِيلَ دُونَ إِسْحَاقَ وَهَذَا بَعْضُ قَوْلِ الْيَهُودِ، وَفِي إِسْلَامِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ إِسْلَامُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إِلَّا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ الْإِسْلَامَ، وإن أن مِنَ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى صَحَّ إِسْلَامُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالثَّوَابِ وَالْعَذَابِ فَكُلُّ ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَاجِبٍ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ بِصِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى نُبُوَّتِهِ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي جُمْلَةِ تَصْدِيقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>