للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: يُجْزِيهِ عَنْ ظِهَارِهِ تَعْلِيلًا بِإِمْسَاكِهِ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْبَاذِلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْزِيهِ عَنْ ظِهَارِهِ وَيَكُونُ عَنِ الْبَاذِلِ وَعَلَيْهِ مَا بَذَلَ تَعْلِيلًا بِأَنَّ قُرْبَ الزَّمَانِ يُخْرِجُهُ مُخْرَجَ الْجَوَابِ فَصَارَ الْحُكْمُ مصروفاً إليه والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ رَجُلٌ عَبْدًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقُهُ وَلَوْ أَعْتَقَهُ بِأَمْرِهِ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ وَهَذَا مِثْلُ شِرَاءِ مَقْبُوضٍ أَوْ هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ بِجُعْلٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، فَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ حَيٍّ لَمْ يَخْلُ عِتْقُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ الْعِتْقُ وَاقِعًا عَنِ الْمُعْتِقِ دُونَ الْمُعَتَقِ عَنْهُ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ عَنْهُ تَطَوُّعًا أَوْ عَنْ وَاجِبٍ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِهِ وَكَانَ الْعِتْقُ عَنِ المعتق ولا الولاء، فإن أعتقه عن واجب حاز وَكَانَ عَنِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ وَلَهُ الْوَلَاءُ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا لَهَا عَنْ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَجَاءَ أَنْ يَنْفَعَهُ وَيَلْحَقَهُ ثَوَابُهُ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ الْوَاجِبَ كَالدَّيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقْضَى دَيْنُ الْحَيِّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النَّجْمِ: ٣٩] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (كِتَابُ اللَّهِ أَصْدَقُ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) . فَلَمْ يَجْعَلِ الْوَلَاءَ إِلَّا لِمُعْتِقٍ، وَلِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يُجْزِهِ وَفِي عِتْقِ غَيْرِهِ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِتْقِ مِنْهُ وَعَدَمِ النِّيَّةِ فَكَانَ بِأَنْ لَا يُجْزِيَهُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ ضَرْبَانِ عَلَى بَدَنٍ وَفِي مَالٍ. فَأَمَّا عِبَادَاتُ الْأَبْدَانِ: كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ فَلَا تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ بِحَالٍ، وَأَمَّا عِبَادَاتُ الْأَمْوَالِ كَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فَلَا تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ بِغَيْرِ إِذَنٍ وَتَصِحُّ بِإِذْنٍ، كَذَلِكَ الْعِتْقُ فِي الْكَفَّارَةِ عِبَادَةٌ فِي مَالٍ يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ بِإِذْنٍ وَلَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إِذْنٍ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عِتْقِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ أَخِيهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَطَوُّعٌ لِقَوْلِهَا رَجَاءَ أَنْ يَنْفَعَهُ وَيَلْحَقَهُ ثَوَابُهُ وَمَالِكٌ يَمْنَعُ مِنْ تَطَوُّعِ الْعِتْقِ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَوْ كَانَ عَنْ وَاجِبٍ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إِذْنِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بِوَصِيَّةٍ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمْ يكون فِيهِ دَلِيلٌ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ: فَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلِذَلِكَ سَقَطَ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ نِيَّةُ الْأَدَاءِ فَجَازَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِيهِ أَنْ يُقْضَى عَنْهُ وَالْعِتْقُ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ النِّيَّةُ فَلَمْ يَجُزْ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>