للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ:)

وَإِنْ أُعْتِقَ عَنِ الْحَيِّ بِإِذْنِهِ جَازَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ سَوَاءً كَانَ الْعِتْقُ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا وَسَوَاءً أَعَتَقَ عَنْهُ بِجُعْلٍ أَوْ بِغَيْرِ جُعْلٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِجُعْلٍ جَازَ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بِغَيْرِ جُعْلٍ لَمْ يَجُزِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَنْ جُعْلٍ فَهُوَ مَبِيعٌ وَعِتْقُ المبيع قبل قبضه يجوز، وإذا كن بِغَيْرِ جُعْلٍ فَهُوَ هِبَةٌ وَعِتْقُ الْمَوْهُوبِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ وَلَيْسَ بِالْعِتْقِ فِيهَا قَبْضًا لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالْعِتْقِ تَسْلِيمٌ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْعِتْقَ فِي الشَّرْعِ قَدْ أُقِيمَ مُقَامَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنِ اشْتَرَى عَبْدًا لَوْ أَعْتَقَهُ فِي يَدِ بَائِعِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَسَقَطَ عَنِ الْبَائِعِ ضَمَانُهُ وَإِذَا كَانَ قَبْضًا فِي الْبَيْعِ صَارَ قَبْضًا فِي الْهِبَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ.

وَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْعِتْقِ يُحَصِّلُ اسْتِدْعَاءَ مُعَاوَضَةٍ تَفْتَقِرُ عِنْدَنَا إِلَى إِيجَابٍ وَقَبْضٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضٍ وَالْعِتْقُ قَائِمٌ مُقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبْضِ عِنْدَنَا وَقَائِمٌ مُقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ عِنْدَهُمْ، وَالْإِذْنُ فِي الْعِتْقِ بِغَيْرِ جُعْلٍ يُحَصِّلُ اسْتِدْعَاءَ هِبَةٍ يَفْتَقِرُ عِنْدَنَا إِلَى إِيجَابٍ وَقَبْضٍ وَعِنْدَهُمْ إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضٍ وَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ بَعْدَهَا قَائِمًا مُقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبْضِ كَالْبَيْعِ، وَفِي هَذَيْنِ الِاسْتِدْلَالَيْنِ انْفِصَالٌ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنَ اسْتِدْلَالَيْنِ، وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ إِذَا جَازَتْ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا بَدَلُ الْعِوَضِ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ عِنْدِي أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ بِجُعْلٍ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ خَطَأٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِإِبْطَالِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَسَوَاءٌ فِي الْعِتْقِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ جَوَازِ الْعِتْقِ عَنْهُ بِأَمْرِهِ بِجُعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ بِالْجُعْلِ بَيْعٌ وَبِغَيْرِ الْجُعْلِ هِبَةٌ فَهُوَ لَا يُعْتِقُهُ عَنْهُ إِلَّا وَقَدْ مَلَكَهُ ثُمَّ عَتَقَ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: مَتَى يَصِيرُ مَالِكًا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالْعِتْقِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَالِكًا لَهُ بِاسْتِدْعَاءِ الْعِتْقِ ثُمَّ عَتَقَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمِلْكِ بِلَفْظِ الْعِتْقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَوَّلِ لَفْظِ الْعِتْقِ وَيُعْتِقُ بِآخِرِ لَفْظِ الْعِتْقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنْ يَقَعَ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَفْظِ الْعِتْقِ فَمَنِ اشْتَرَى أباه مَلَكَهُ وَعُتِقَ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ.

وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ: قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ وَيُعْتِقُ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>