للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِيمَا اخْتَلَفَ مِنْهَا كَمَنْ لَهُ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ مُهْرِيَّةٌ حَاضِرَةٌ وَخَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ مُجَيْدِيَّةٌ غَائِبَةٌ فَأَخْرَجَ شَاتَيْنِ عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَجْزَأَ كَمَا يُجْزِيهِ لَوْ كَانَتِ الْعَشْرُ مَنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمُ فِي الْكَفَّارَةِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِي الْمُؤْتَلِفِ لَمْ يَلْزَمْ تَعْيِينُهَا فِي الْمُخْتَلِفِ كَالزَّكَاةِ لِأَنَّهَا وَافَقَتْهَا فِي الْمُؤْتَلِفِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا. خَالَفَتْهَا فِي الْمُؤْتَلِفِ وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ تَعْيِينُهَا فِي الْجِنْسَيْنِ لَوَجَبَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ قَدْ شَكَّ فِيهَا هَلْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَنْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَيْنِ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ يَقْضِي صَلَاتَيْنِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا عِتْقُ عَبْدٍ وَاحِدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ غَيْرُ وَاجِبٍ.

(فَصْلٌ:)

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَبْدَيْنِ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكَفَّارَتَيْنِ فَيُعْتِقُ نِصْفَ سَالِمٍ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَنِصْفَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَيُعْتِقُ نِصْفَ غَانِمٍ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَنِصْفَهُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَهَذَا الْعِتْقُ مُجْزِئٌ عَنِ الْكَفَّارَتَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ أَعْتَقَ عَنْهُمَا عَبْدَيْنِ لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ الْعِتْقُ مُبَعَّضًا عَلَى مَا يَرُدُّهُ أَوْ مُكَمِّلًا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ هَاهُنَا أَنَّهُ يَكُونُ مُبَعَّضًا عَلَى مَا نَوَى لِأَنَّ الْعِتْقَ بِالتَّبْعِيضِ قَدْ كَمَلَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ أَنَّهُ يَكْمُلُ الْعِتْقُ فَيُجْعَلُ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ بِكَمَالِهِ عَنْ إِحْدَى الْكَفَّارَتَيْنِ وَالْعَبْدُ الْآخَرُ بِكَمَالِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِ الْعَبْدِ يَسْرِي إِلَى جَمِيعِهِ فَلَمَّا امْتَنَعَ أَنْ يَتَبَعَّضَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ امْتَنَعَ أَنْ يَتَبَعَّضَ فِي كَفَّارَتَيْنِ، وَفَائِدَةُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ عَنْ كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ وَنِصْفَ آخَرَ حَتَّى كَمَلَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مِنْ عَبْدَيْنِ فَفِي إِجْزَائِهِمَا عَنْهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِيهِ إِذَا مُنِعَ مِنْ تَبْعِيضِ الْعِتْقِ هُنَاكَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُجْزِيهِ إِذَا جَوَّزُوا التَّبْعِيضَ هُنَاكَ.

وَفِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ إِنْ أَعْتَقَ النِّصْفَ مِنْ عبدين باقيهما حراً أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ بَاقِيهِمَا مَمْلُوكًا لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فَيُوجَدُ مَقْصُودُ الْعِتْقِ فِيهِمَا وَإِذَا كَانَ بَاقِيهِمَا مَمْلُوكًا جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَبِيدِ فَلَمْ يُوجَدْ مَقْصُودُ الْعِتْقِ فِيهَا. وَمِثَالُ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ: أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ فَيُخْرِجَ نِصْفَيْ شَاتَيْنِ نِصْفًا مِنْ شَاةٍ وَنِصْفًا مِنْ أُخْرَى فَفِي إِجْزَائِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ شاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>