للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَتَابِعَيْنِ عَنِ الْكَفَّارَةِ الْأُخْرَى، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعِتْقِ عَنْ إِحْدَاهُمَا لَا يُعَيِّنُهَا ثُمَّ بِالصَّوْمِ عَنِ الْأُخْرَى لَا يُعَيِّنُهَا كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ فِيهِمَا أَوْ مِنْ أَهْلِ الصَّوْمِ فِيهِمَا، فَلَوْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ ثُمَّ أَعْتَقَ أَجْزَأَهُ الْعِتْقُ وَلَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ صَامَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْعِتْقِ، وَلَوْ جَعَلَ الْعِتْقَ عَنِ الْكَفَّارَتَيْنِ مَعًا وَالصَّوْمَ عَنْهُمَا مَعًا تَكْمِيلًا لِكُلِّ كَفَّارَةٍ مِنْ جِنْسَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكَفَّارَتَيْنِ وَأَجْزَأَهُ الْعِتْقُ وَفِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا مَضَى:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْتَكْمِلُ الْعِتْقَ فِي إِحْدَاهُمَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ لِلْأُخْرَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا نَوَى مِنَ التَّبْعِيضِ فَلَا يَتَكَمَّلُ، فَإِنْ أَيْسَرَ بِإِكْمَالِ الْعِتْقِ أَوِ اسْتَدَانَ حَتَّى أَعْتَقَ عَبْدًا آخَرَ عَنِ الْكَفَّارَتَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى إِعْسَارِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُكْمِلَ الْكَفَّارَةَ بِالصَّوْمِ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَصُومَ عَنْ نِصْفِ كُلِّ كَفَّارَةٍ شَهْرًا لِأَنَّ تَبْعِيضَ الصِّيَامِ فِي الْكَفَّارَةِ غَيْرُ مُجْزِئٍ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَيَصُومُ لَهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ مَا قَدَّمَهُ مِنَ الْعِتْقِ مُؤَثِّرًا فِي التَّكْفِيرِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَكْمِيلِ الصِّيَامِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُؤَثِّرُ فِيهِ لِتَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَكْمُلُ الصِّيَامُ جَبْرًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

مَسْأَلَةٌ: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً ليس له غيرها وصيام شَهْرَيْنِ ثُمَّ مَرِضَ فَأَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا يَنْوِي بِجَمِيعِ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ الظِّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ واحدة بعينها أجرأه لِأَنَّ نِيَّتَهُ فِي كُلِّ كَفَّارَةٍ بِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ إِمَّا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ أَجْنَاسٍ فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ فِي وَاحِدَةٍ وَمِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ فِي ثَانِيَةٍ وَمِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ فِي ثَالِثَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بالعتق عن أحدهما إِمَّا بِعَيْنِهَا أَوْ مُبْهَمَةً، وَإِنَّمَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِطْعَامُ بَعْدَ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْإِطْعَامَ ثُمَّ الصِّيَامَ ثُمَّ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ الْعِتْقُ وَحْدَهُ وَاسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ بَعْدَهُ ثُمَّ الْإِطْعَامَ بَعْدَ الصَّوْمِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ الطَّعَامَ الَّذِي قَدَّمَهُ لِعَدَمِ إِجْزَائِهِ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ قَدْ مَلَكُوهُ بِالْقَبْضِ، فَلَوْ نَوَى وَقَدْ رَتَّبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ أَثْلَاثًا اعْتُدَّ بِجَمِيعِ الْعِتْقِ وَلَمْ يُعْتَدَّ بِجَمِيعِ الصِّيَامِ وَاعْتُدَّ بِالثُّلُثِ مِنَ الْإِطْعَامِ ثُمَّ هَلْ يَتَكَمَّلُ الْعِتْقُ فِي أَحَدِهِمَا أَمْ لَا عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَلَزِمَهُ تَكْمِيلُ الْإِطْعَامِ عَنْ إِحْدَاهُمَا وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الصِّيَامِ عَنِ الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>