للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى مَرِضَ صَلَّى صَلَاةَ مَرِيضٍ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى صَحَّ صَلَّى صَلَاةَ صَحِيحٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْمُرَاعَى بِهَا حَالُ الْوُجُوبِ وَوَجْهُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يجد فصيام شهرين متتابعين} وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَمَّا مَضَى فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا) وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْحُدُودِ حَالُ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِكْرًا فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى أُحْصِنَ حُدَّ حَدَّ الْبِكْرِ وَلَوْ زَنَى وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى أُعْتِقَ حُدَّ حَدَّ الْعَبِيدِ، وَتَجْوِيزُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ بِاسْمِ التَّكْفِيرِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ حَالُ الْوُجُوبِ كَالْمَحْدُودِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ إِذَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِعْسَارِ كَالدُّيُونِ وَالزَّكَوَاتِ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ لِامْتِنَاعِ وُجُوبِ مَا لَا يُعْلَمُ صِفَتُهُ، وَالْحَالُ صِفَتُهَا يَمْنَعُ مِنَ الِانْتِقَالِ عَنْهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ بَدَلًا وَفَسْخًا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَاعَى بِهَا أَغْلَظُ أَحْوَالِهِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ إِلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَقٌّ مُتَوَسَّعُ الْوَقْتِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ تَغْلِيظٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَنْفَكَّ فِي أَحْوَالِهَا عَنِ التَّغْلِيظِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَوْجِيهِ الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ حِينِ عَوْدِهِ فِي ظِهَارِهِ إِلَى وَقْتِ تَكْفِيرِهِ مِنْ سِتَّةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِالْعِتْقِ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا فَفَرْضُهُ الْعِتْقُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا

وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا بِالْعِتْقِ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فِي كُلِّ الْبِلَادِ فَفَرْضُهُ الصَّوْمُ عَلَى الْأَقَاوِيلِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فِي بَلَدِ تَكْفِيرِهِ مُوسِرًا فِي غَيْرِهِ فَالْكَفَّارَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مَحَلُّهُ مُعَيَّنًا مِثْلَ كَفَّارَةِ التَّمَتُّعِ بِالْحَجِّ فَإِذَا كَانَ مُعْسِرًا بِمَكَّةَ مُوسِرًا فِي غَيْرِهَا أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ المعسر في جواز صوم اعْتِبَارًا بِمَكَانِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَ مَحَلُّهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَلَا يَلْحَقُهُ بِتَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْحِنْثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>