للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْيَمِينِ بِالشَّهَادَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: ١، ٢] إلى قوله: {اتخذوا أيمانهم جنة} فَعَبَّرَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ بِالشَّهَادَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا سُلِبَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُكْمَ الشَّهَادَاتِ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكِمُ الْأَيْمَانِ مِنْ أَرْبَعَةِ أوجه:

أحدهما: أَنَّهُ أَثْبَتَ قَوْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهِ تَكْرَارَ لَفْظِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَرَنَهُ بِاللِّعَانِ وَالْغَضَبِ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ وَصَلَهُ بِذِكْرِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قولهم: إن ما لم يصح إلا بلفظة الشَّهَادَة كَانَ شَهَادَةً، فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ اللِّعَانِ بِغَيْرِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ، وَأُولِي بِاللَّهِ. كَمَا يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ - لِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْيَمِينِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَوَابُ مُتَوَجِّهًا، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَرَنَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الشَّهَادَاتِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَأُلْحِقَ بِالْأَيْمَانِ الْمُضَافَةِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ قَدْ يَرْفَعُ حُكْمَ الْقَذْفِ كَالْبَيِّنَةِ، فَهُوَ أَنَّ الْإِقْرَارَ قَدْ يَرْفَعُ حُكْمَ الْقَذْفِ وَلَا يَكُونُ بَيِّنَةً، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أحدهما: أَنَّ أَبَا يَحْيَى السَّاجِيَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُثْبِتُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَإِذَا قَالَ إِمَامٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ هَذَا، سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَيْسَتِ الْمَرَاسِيلُ عِنْدَنَا حُجَّةً، وذلك أن عمرو بن شعيب ابن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وجده الأدنى ليس له صحبه وراوية فَإِذَا رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ جَدُّهُ الْأَدْنَى فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ مُرْسَلًا لَا يَلْزَمُ الِاحْتِجَاجُ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>