للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَوْتَهَا مُسْقِطٌ لِلتَّعْزِيرِ عَنْ قَاذِفِهَا، لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تُوَرَّثُ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ مَالُهَا إِلَى سَيِّدِهَا بِالْمِلْكِ دُونَ الْإِرْثِ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ التَّعْزِيرُ مَا لا يَمْلِكُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ بِالْمَوْتِ كَالْحَدِّ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، فَعَلَى هَذَا فِي مُسْتَحَقِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: سَيِّدُهَا، لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَالِهَا.

وَالثَّانِي: الْأَحْرَارُ مِنْ عَصَبَتِهَا، لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِنَفْيِ الْعَارِ الْمُخْتَصِّ بِهِمْ دُونَ السَّيِّدِ وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ الْتَعَنَ وَأَبَيْنَ اللِّعَانَ فَعَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ الْحَدُّ وَالْمَمْلُوكَةِ نِصْفُ الْحَدِّ وَنَفْيُ نِصْفِ سَنَةٍ وَلَا لِعَانَ عَلَى الصِّبْيَةِ لِأَنَهُ لَا حَدَّ عليها ".

قال الماوردي: كَمَا قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ، وَالثَّانِيَةُ حُرَّةٌ كِتَابِيَّةٌ، وَالثَّالِثَةُ أَمَةٌ مُسْلِمَةٌ وَالرَّابِعَةُ صَغِيرَةٌ بَالِغَةٌ، وَقَذَفَهُنَّ بِالزِّنَا، فَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: فِي حُكْمِ قَذْفِهِ لَهُنَّ.

وَالثَّانِي: فِي حُكْمِ لِعَانِهِ مِنْهُنَّ.

وَالثَّالِثُ: فِي حُكْمِهِنَّ إِذَا لَاعَنَ مِنْهُنَّ.

فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حِكَمِ القذف لهن فعليه الحد بقذف الحرة المسلمة لِكَمَالِهَا وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ فِي قَذْفِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالْأَمَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِنَقْصِهِنَّ، وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي اللِّعَانِ مِنْهُنَّ، فَلَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إِجْمَاعًا، لِيُسْقِطَ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ بِالْتِعَانِهِ، وَلَهُ عِنْدَنَا أَنْ يَلْتَعِنَ مِنَ الْكِتَابِيَّةِ وَالْأَمَةِ لِيُسْقِطَ التَّعْزِيرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْتِعَانِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُمَا إِذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَكْمُلِ الْحَدُّ فِي قَذْفِهِمَا وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ.

وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ: فَلَهَا حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا لِصِغَرِهَا، كَالَّتِي لَهَا سَنَةٌ، فَلَا يَكُونُ رَمْيُهَا بِالزِّنَا قَذْفًا، لِأَنَّ الْقَذْفَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَقَذْفُ هَذِهِ كَذِبٌ مَحْضٌ لَا يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ فَكَانَ سَبًّا وَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا، فَكَانَ التَّعْزِيرُ الْمُسْتَحَقُّ فِيهِ تَعْزِيرَ سَبٍّ وَلَمْ يَكُنْ تَعْزِيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>