للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ إِكْذَابًا لَهَا كَمَا لَا يَكُونُ إِكْذَابًا لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ الْقَذْفَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَأَنَا صَادِقٌ فِي أَنَّهَا زَنَتْ، فَلَمْ أَكُنْ قَاذِفًا، وَالشُّهُودُ قَدْ صَدَقُوا فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ مِنْ قَوْلِي إنَّهَا زَنَتْ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَهَا بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَذْفٍ يَسْتَجِدُّهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ بِإِنْكَارِ الْقَذْفِ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ قَدْ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ بِإِنْكَارِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَعْنَى الْقَذْفِ تَأْوِيلٌ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ كَانَ إِكْذَابًا لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِكْذَابًا لِنَفْسِهِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ إِلَّا بِقَذْفٍ يستجده، وهذا هو فائدة هذين الوجهين.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، قَذْفُ الصَّبِيِّ لَا يُوجِبُ حَدًّا وَلَا يُبِيحُ لِعَانًا، لِأَنَّهُ وَبِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ حَدٌّ وَلَا قَطْعٌ، فَكَذَلِكَ فِي الْقَذْفِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مُرَاهِقًا يُؤْذِي قَذْفُ مِثْلِهِ عُزِّرَ أَدَبًا، كَمَا يُؤَدَّبُ فِي مَصَالِحِهِ، وَإِنْ كَانَ طِفْلًا لَا يُؤْذِي قَذْفُهُ لَمْ يُعَزَّرْ، فَلَوْ جَاءَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ يَجُوزُ أَنْ يُولَدَ لِمِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيهِ بِالْقَذْفِ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ قَذْفًا بَعْدَ الْبُلُوغِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَى الْقَذْفِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَذَفَهَا فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِيهَا فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا قَذَفَ الرَّجْعِيَّةَ فِي الْعِدَّةِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَمْ يَسْلُبْ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ إِلَّا شَيْئَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ الْوَطْءِ مَا لَمْ يُرَاجِعْ.

وَالثَّانِي: جَرَيَانُهَا فِي الْفَسْخِ إِنْ لَمْ يُرَاجِعْ حَتَّى تَبَيَّنَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ هِيَ فِيمَا عَدَاهُمَا جَارِيَةٌ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالظِّهَارِ وَالتَّوَارُثِ، وَلُحُوقِ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ فِي اللِّعَانِ، وَبِهَذَا خَالَفَتِ الْمَبْتُوتَةُ الْمَسْلُوبَةُ لِأَحْكَامِ الزَّوْجَاتِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَبَعْدَهَا وَمِنْ غَيْرِ رَجْعَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ قَدِ انْقَضَتْ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا وَقَفَ حُكْمُ اللِّعَانِ قَبل رَجْعَتِهِ كَمَا وَقَفَتْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَلَمْ تَجِبْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ؟ وَلَمْ يَحْتَسِبْ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ مَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>