للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَّقَ مَالِكٌ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِلِعَانِهِمَا مَعًا، وَعَلَّقَهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِلِعَانِهِمَا وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُمَا.

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تأييد التَّحْرِيمِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَحْرِيمَ اللِّعَانِ مُؤَبَّدٌ لَا يَزُولُ أَبَدًا، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْتِعَانِهِ لَزِمَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ الْأَرْبَعَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ شَيْئَانِ - وُجُودُ الْحَدِّ، وَلُحُوقُ النَّسَبِ، وَبَقِيَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَفْعِ الْفِرَاشِ وتأييد التَّحْرِيمِ بِحَالِهِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ: الزُّهْرِيُّ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ، مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَلَّتْ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ وُجِدَ فِي لِعَانِهِ حَدٌّ فِي قَذْفٍ فَلَمْ يَجْعَلْ تَحْرِيمَ اللِّعَانِ مُؤَبَّدًا.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنْ أَكْذَبَ نفسه وهي في العدة حَلَّتْ لَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ مُسْتَجَدٍّ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنْ أَكْذَبَ نفسه هي فِي الْعِدَّةِ حَلَّتْ لَهُ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عَدَّتِهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا.

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ النَّسَبُ كَمَا لَا يَرْتَفِعُ بِهِ التَّحْرِيمُ.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] . وَهَذِهِ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فَحَلَّتْ لَهُ، وَلِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِيَّةِ فَلَمْ يَتَأَبَّدْ كَالطَّلَاقِ وَخَالَفَ تَحْرِيمَ الرِّضَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بالزوجية، ولأنه بتحريم إذا عري عن الحرمة لم يتأيد ثُبُوتُهُ كَالرِّدَّةِ طَرْدًا وَالرِّضَاعِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ مَا اسْتُفِيدَ حُكْمُهُ بِاللِّعَانِ جَازَ أَنْ لَا يَتَأَبَّدَ ثُبُوتُهُ كَالنَّسَبِ.

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمُتَلَاعِنَانِ إِذَا تَفَرَّقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ".

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: أَنْ عُوَيْمِرَ الْعَجْلَانِيَّ لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَهُمَا وَقَالَ: " لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا " فَدَلَّ هَذَا الخبران على تأييد التَّحْرِيمِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>