للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم ينف الولد فجعل ولد العفيفة لا أب له وألزمها عارة وولد الفاسقة له أب لا ينفى عنه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ إِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا فَصَدَّقَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا، وَلَا يَنْتَفِيَ من ولدها، ولا يوجب حد الزنا، وبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلَيْنِ لَهُ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ وَالشَّهَادَةُ لَا تُقَامُ عَلَى مُعْتَرِفٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فَجَوَّزَ لَهُ نَفْيَ وَلَدِ الْعَفِيفَةِ وَأَلْحَقَ بِهِ وَلَدَ الزَّانِيَةِ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الشَّنَاعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى وَهَاءِ أُصُولِهِ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا مِنْ أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُصَدِّقَةِ عَلَى الزِّنَا الْمُعْتَرِفَةِ بِهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تُصَدِّقَ الزَّوْجَ قَبْلَ لِعَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنَّ صَدَّقَتْهُ بَعْدَ لِعَانِهِ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ اللِّعَانِ بِهِ مِنْ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَتَحْرِيمِ التَّأْبِيدِ وَنَفْيِ النَّسَبِ، وَلَيْسَ لِإِقْرَارِهَا بِالزِّنَا بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ تَأْثِيرٌ إِلَّا فِي مَنْعِهَا مِنَ الِالْتِعَانِ بَعْدَهُ، لِأَنَّ لِعَانَهَا لِإِسْقَاطِ حَدِّ الزِّنَا عَنْهَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَالْمُقِرَّةُ بِالزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِاللِّعَانِ، فَإِنْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِقْرَارِ صَارَ الْحَدُّ وَاجِبًا عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ دُونَ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا مَقْبُولٌ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَجَازَ لَهَا أَنْ تُلَاعِنَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ، فَأَمَّا إِنْ صَدَّقَتْهُ عَلَى الزِّنَا قَبْلَ لِعَانِهِ أو في تضاعيفه فقط سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنِ الزَّوْجِ بِتَصْدِيقِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ لمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَ وَلَدَ الْمُكَذِّبَةِ الظَّاهِرَةِ الْعِفَّةِ فَلِأَنْ يَنْفِيَ وَلَدَ الْمُصَدِّقَةِ الظَّاهِرَةِ الْفُجُورِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ، لِأَنَّ اللِّعَانَ مَوْضُوعٌ لِسُقُوطِ الْحَدِّ وَنَفْيِ النَّسَبِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا وَعَدَمِ الْوَلَدِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُلَاعِنَ بَعْدَ لِعَانِهِ مَا أَقَامَتْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا فَإِنْ رَجَعَتْ عَنْهُ لَاعَنَتْ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي: " وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ يُكْمِلُ الزَّوْجُ اللِّعَانَ وَرِثَ صَاحِبَهُ وَالْوَلَدُ غَيْرُ مَنْفِيٍّ حَتَّى يَكْمُلَ ذَلِكَ كُلُّهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي اللِّعَانِ وَقَبْلَ كَمَالِهِ تَوَارَثَا، وَنُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا هِيَ الزَّوْجَةَ فَقَدْ بَانَتْ بِالْمَوْتِ وَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ ذَاتَ وَلَدٍ أَوْ لَا وَلَدَ لَهَا، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>