للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي هَذَا الْقِسْمِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْقَذْفُ فَحُدَّ بِالظَّاهِرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ ثَابِتَ النَّسَبِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أُمِّهِ لِعَانٌ قَطُّ، فَيَقُولُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ: لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، لِأَنَّ فِي الْمُسْتَلْحِقِ بَعْدَ الِالْتِعَانِ مِنَ الِاحْتِمَالِ مَا لَيْسَ فِي هَذَا، فَلِذَلِكَ كَانَ قَذْفًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ.

وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَذْفًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَجْنَبِيِّ وَحَكَى الْمُزَنِيُّ عَنْهُ في الأب إذا قال لابنه: ليست بِابْنِي، أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ حَتَّى يُرِيدَ بِهِ الْقَذْفَ، فَخَالَفَ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ مِنَ الْأَبِ قَذْفًا، وَجَعَلَهُ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ قَذْفًا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ:

أحدها: وَقَدْ أَوْمَأَ الْمُزَنِيُّ إِلَيْهَا: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ قَذْفًا صَرِيحًا مِنَ الْأَبِ وَالْأَجْنَبِيِّ جَمِيعًا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَجْنَبِيِّ فَيُحَدَّانِ مَعًا إِلَّا أَنْ يُلَاعِنَ الْأَبُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَا يَسْقُطُ عَنِ الْأَجْنَبِيِّ.

وَوَجْهُهُ: أَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ مَوْضُوعٌ فِي الْعُرْفِ لِقَذْفِ أُمِّهِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ مُعْتَبَرًا وَالْحُكْمُ بِهِ مُتَعَلِّقًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَذْفًا صَرِيحًا مِنَ الْأَبِ وَلَا مِنَ الْأَجْنَبِيِّ لِظُهُورِ الِاحْتِمَالِ فِيهِ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ لَيْسَ بِابْنِهِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَخْلَاقِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَنْسَابِ، فَخَرَجَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ عَنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ، وَمَا الَّذِي يَكُونُ حُكْمُهُ حِينَئِذٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَقْذُوفًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ اعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ مِنْ حَالَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَتَغَلَّظْ عَلَى الْمُسْتَلْحِقِ بَعْدَ النَّفْيِ لَمْ يَكُنْ أَضْعَفَ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ بِالْحَدِّ إِلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْقَذْفَ، فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يُحَدُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ كِنَايَةٌ يَنْوِي فِيهِ وَلَا يُحَدُّ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَذْفَ، بِخِلَافِ الْمُسْتَلْحِقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْمُسْتَلْحِقَ لَمَّا اعْتَلَّ نَسَبُهُ بِاللِّعَانِ صَارَ الظَّاهِرُ مِنْ نَفْيِهِ قَذْفَ أُمِّهِ، وَغَيْرُ الْمُسْتَلْحِقِ لَمَّا لَمْ يَعْتَلَّ نَسَبُهُ صَارَ الظَّاهِرُ مَنْ نَفْيِهِ مُخَالَفَةَ أَبِيهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ، فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِأَصْحَابِنَا وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ طَرِيقَةَ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ فِيهِمَا فَيَكُونُ قَذْفًا مِنَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَكُونُ قَذْفًا مِنَ الْأَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>