للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَنْ دَلَّهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ أَعْمَى وَسِعَهُ اتِّبَاعُهُ وَلَا يَسَعُ بَصِيرًا خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ اتَّبَاعُهُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ لِعَدَمِ العلم وبين من جهلها لعدم البصر وقد جعل الشافعي من خفيت عليه الدلائل كالأعمى فهما سواء

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي بَصِيرَيْنِ اجْتَهَدَا فِي الْقِبْلَةِ فَوَقَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِهَتِهَا بِاجْتِهَادِهِ وَأَشْكَلَ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَدْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهَا إِذَا عُرِّفَهُ وَلَا يَنْتَبِهُ عَلَيْهَا إِذَا نُبِّهَهُ فَهُوَ (عَلَى) مَا ذَكَرْنَا كَالْأَعْمَى يُقَلِّدُ صَاحِبَهُ وَلَا يُعِيدُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا وَيَنْتَبِهُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ وَقَعَ الْإِشْكَالُ لِحَادِثَةٍ صَدَّ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا تَوَقَّفَ وَلَمْ يُقَلِّدْ غَيْرَهُ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَافَ الْفَوْتَ تَبِعَ صَاحِبَهُ فِي جِهَتِهِ وَصَلَّى إِلَيْهَا بِاجْتِهَادِهِ، فَإِذَا فَعَلَ وَصَلَّى فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَسُقُوطِهَا كَلَامًا محتملاً فقال: ها هنا " وَمَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى " فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي سُقُوطَ الْإِعَادَةِ وَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ آخر حكاه عنه المزني ها هنا " ولا يسع بصيرا خفيت عليه الدلائل اتباعه " فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي سُقُوطَ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُزَنِيِّ، وَأَبِي الطِّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ: أَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ الظَّاهِرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّ الْإِشْكَالَ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرٍ يَعُودُ إِلَيْهِ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْجَاهِلَ بِهَا لِفَقْدِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ بِهَا لِفَقْدِ بَصَرِهِ

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَحَمْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ " وَلَا يَسَعُ بَصِيرًا خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ اتِّبَاعَهُ عَلَيْهِ " إِذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَحَمْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ " وَمَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الدَّلَائِلُ فَهُوَ كَالْأَعْمَى " عَلَى وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ لَا عَلَى سُقُوطِ الْإِعَادَةِ - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشافعي: " وَلَا يَتَّبِعُ دِلَالَةُ مُشْرِكٍ بِحَالٍ "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: " لَا يَجُوزُ لِلضَّرِيرِ أَنْ يُقَلِّدَ مُشْرِكًا فِي الْقِبْلَةِ وَلَا لِلْبَصِيرِ أَنْ يَقْبَلَ خَبَرَهُ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] . وَالْكُفْرُ أَغْلَظُ الْفِسْقِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٤٠] ، ولأن

<<  <  ج: ص:  >  >>