للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ قَوْلَهُ: زَنَيْتِ يَقْتَضِي الْقَذْفَ فِي الْحَالِ، وَقَوْلَهُ: وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ يَقْتَضِي الْإِخْبَارَ عَنْ تَقَدُّمِ حَالِهَا، فَصَارَ الظَّاهِرُ مَعَهَا، وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ قَوْلَهُ: زَنَيْتِ، بِقَوْلِهِ وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ كَانَ أَظْهَرُ احْتِمَالَيْهِ إِضَافَةَ الزِّنَا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا تَعَلَّقَ بِالَآخَرِ، وَلَوِ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ لَوَجَبَ أَنْ تُدْرَأَ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُسْلِمَةً فَقَدْ صَارَ قَاذِفًا لَهَا بِالزِّنَا، وَرَامِيًا لَهَا بِالْكُفْرِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فِي قَذْفِهَا إِلَّا أَنْ يُلَاعِنَ وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ فِي رَمْيِهَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ لِأَجْلِ الْأَذَى.

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ يَجْهَلَ حَالَهَا، فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَمْ لَا؟ فَإِنَّهَا تُسْأَلُ فَإِنِ اعْتَرَفَتْ بِتَقَدُّمِ النَّصْرَانِيَّةِ كَانَ عَلَى مَا مَضَى إِذَا عُلِمَ نَصْرَانِيَّتُهَا وَإِنْ لَمْ تَعْتَرِفْ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَأَنْكَرَتْهَا، فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيُعَزَّرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَارَ الإسلام تجمع الفريقين، وجنب المؤمن حمى، والحدود تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي هَذَا التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ تَعْزِيرُ قَذْفٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُسْلِمَةً وَيُحَدُّ لَهَا إِلَّا أَنْ يَلْتَعْنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إِسْلَامُ أَهْلِهَا، فَجَرَى حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ كَمَا يَجْرِي حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَى اللَّقِيطِ إِذَا جُهِلَتْ حَالُهُ.

(فَصْلٌ)

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا قَالَ لَهَا: زَنَيْتِ وَأَنْتِ أَمَةٌ، فلها أربعة أحوال:

أحدها: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا أَمَةٌ فِي الْحَالِ فَيُعَزَّرُ لِقَذْفِهَا وَلَا يُحَدُّ لِنَقْصِهَا عَنْ حَالِ الْكَمَالِ وَيُلَاعِنُ مِنْ هَذَا التَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَعْزِيرُ قَذْفٍ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا حُرَّةٌ فِي الْحَالِ وَأَمَةٌ مِنْ قَبْلُ فَيُعَزَّرُ تَعْزِيرَ قَذْفٍ وَلَا يُحَدُّ، فَإِنِ اخْتُلِفَ فِي الْقَذْفِ فَقَالَتْ: أَرَدْتَ بِهِ قَذْفِي بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَقَالَ: أَرَدْتُ بِهِ قَذْفَكِ قَبْلَهَا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَيُحَدُّ لَهَا وَعَلَى مَا أَرَاهُ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيُعَزَّرُ ولا يحد.

والحال الثالثة: أن علم أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ حُرَّةً، فَيُحَدُّ لِقَذْفِهَا وَلَا يُعَزَّرُ لِرَمْيِهَا بِالرِّقِّ، وَإِنْ عُزِّرَ لِرَمْيِهَا بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ اعْتِقَادٌ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.

فَصَارَ فِي الرَّمْيِ بِهِ مَعَرَّةٌ، وَالرِّقُّ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فِي مُسْلِمٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الرَّمْيِ بِهِ مَعَرَّةٌ فَافْتَرَقَا فِي التَّعْزِيرِ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي الْمَعَرَّةِ.

وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَجْهَلَ حَالَهَا فِي تَقَدُّمِ الرِّقِّ مَعَ تَحَقُّقِ حُرِّيَّتِهَا فِي الْوَقْتِ فَفِيهِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا قَوْلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>