للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْتَعَنَ لِعَانًا وَاحِدًا يَسْقُطُ بِهِ الْحَدَّانِ مَعًا؛ لأنه اللِّعَانَ يَمِينٌ فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ الْحَدَّانِ إِذَا كَانَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ كَالْيَمِينِ عَلَى حَقَّيْنِ مِنْ مَالٍ.

وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَيْنِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ حَدَّانِ الْتَعَنَ مِنْهُمَا لِعَانَيْنِ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي لِعَانٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ فَوَجَبَ لِشَخْصٍ فَاخْتُصَّ إِسْقَاطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَقَّيْنِ بِيَمِينٍ كَإِسْقَاطِ حَقَّيْ مَالٍ لِشَخْصَيْنِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِيَمِينَيْنِ، وَإِذَا صَحَّ أَنَّهُ فِي الْقَذْفَيْنِ مِنَ الزَّوْجَةِ الْوَاحِدَةِ يَلْتَعِنُ فِيهِمَا لِعَانًا وَاحِدًا لَزِمَهُ أَنْ يَذْكُرَ الْقَذْفَيْنِ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ فِي أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ صِدْقَهُ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يُؤْمَنْ إِذَا ذَكَرَ أَحَدَهُمَا فِي لِعَانِهِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِيهِ كَاذِبًا فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَذْكُرَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَمَّى فِيهِمَا زَانِيًا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّنِي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا [قَذَفْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا الْأَوَّلِ وَمِنَ الزِّنَا الثَّانِي وَإِنْ سَمَّاهُمَا قَالَ: أَشْهَدُ بالله إني لمن الصادقين فيما] رميتها به مِنَ الزِّنَا بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَإِنْ سَمَّى أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُسَمِّ الْآخَرَ، بَدَأَ بِذِكْرِ مَنْ سَمَّاهُ ثُمَّ بِالْآخَرِ، سَوَاءٌ إِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّنِي لِمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا بِفُلَانٍ، وَفِيمَا رَمَيْتُهَا به من الزنا الآخر.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ لَهُ بل أنت زان لاعنها وجدت لَهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ فَأَبْطَلَ الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا وَكَانَتْ حُجَّتُهُ أَنْ قَالَ أَسْتَقْبِحُ أَنْ أُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَحُدَّهَا وَمَا قَبُحَ فَأَقْبَحُ مِنْهُ تَعْطِيلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا قَذَفَهَا وَقَذَفَتْهُ فَقَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ: بَلْ أَنْتَ زَانٍ، وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَهَا بِقَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ لَهُ بِقَوْلِهَا: بَلْ أَنْتَ، فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ حُدَّ لَهَا وَحُدَّتْ لَهُ، وَإِنِ الْتَعَنَ وَالْتَعَنَتْ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ بِلِعَانِهِ، وَسَقَطَ عَنْهَا حَدُّ الزِّنَا دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ.

فَإِنِ الْتَعَنَ وَلَمْ تَلْتَعِنْ هِيَ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ بِلِعَانِهِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا حَدَّانِ، حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ القذف ويقدم حد القدف عَلَى حَدِّ الزِّنَا لِتَقَدُّمِ وُجُوبِهِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا حَدَّهَا الْجَلْدَ لَا يُوَالِي عَلَيْهَا بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَأُمْهِلَتْ بَيْنَهُمَا لِيَبْرَأَ جِلْدُهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حَدَّهَا الرَّجْمَ رُجِمَتْ لِوَقْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنِ الزَّوْجُ مِنْهَا، حد لها حد القذف، وحدت لها حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَمْ يَتَقَاصَّا الْحَدَّيْنِ لِأَنَّ الْقَذْفَ لَا يَدْخُلُهُ الْقِصَاصُ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَذَفَ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْقَاذِفِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ مِثْلَ قَذْفِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتَقَاصَّا الْقَذْفَ، لَمْ يَتَقَاصَّا حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَكِنْ لَوْ تَبَارَآ وَعَفَى كُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>