للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ قَذَفَهَا فِي طُهْرٍ قَدْ وَطِئَهَا فِيهِ لَاعَنَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، وَلَمْ يَلْتَعِنْ لِنَفْيِ النَّسَبِ، وَإِنْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْقَذْفِ حُدَّ وَلَمْ يَلْتَعِنْ، وَيُجْعَلُ الْوَطْءُ تَكْذِيبًا لِنَفْسِهِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ آيَةَ اللِّعَانِ وَرَدَتْ فِي الْعَجْلَانِيِّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: " رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي، وَمَا قَرَبْتُهَا مُنْذُ عِفَارِ النَّخْلِ "، وَفِي عِفَارِهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَلْقِيحُهَا.

وَالثَّانِي: تَرْكُ سقيها، لأنهم يتركون سقيها إذا ذهت، وذلك الحد شهرين فَقَصَدَ الْعَجْلَانِيُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَرَكَ إِصَابَتَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ تَرْكُ إِصَابَتِهَا شَرْطًا فِي جَوَازِ لِعَانِهَا، لِأَنَّ خُصُوصَ السَّبَبِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعُمُومِ عِنْدَهُ، قَالَ: وَلِأَنَّهُ إِذَا شَارَكَ الزَّانِيَ فِي وَطْئِهَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ زِنًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْطَعَ فِي لِعَانِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ، وَقَالَ: وَلِأَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ الَّذِي يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ أَثْبَتُ نَسَبًا مِنْ وَلَدِ الْأَمَةِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ إِلَّا بِالْوَطْءِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْفِيَ وَلَدَ الْأَمَةِ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفِيَ وَلَدَ الْحُرَّةِ إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} فَكَانَ عُمُومُهُ فِيمَنْ أَصَابَ زَوْجَتَهُ أَوْ لَمْ يُصِبْهَا فَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ فِي قِصَّةِ الْعَجْلَانِي، فَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ دُونَ الْعَجْلَانِيِّ، وَهِلَالٌ لَمْ يَقُلْ: إِنِّي لَمْ أُصِبْهَا فَكَانَ السَّبَبُ عَامًّا.

وَالثَّانِي: لَوْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى قِصَّةِ الْعَجْلَانِيِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا ليكون الِاسْتِبْرَاءِ يَخُصُّ عُمُومَ اللَّفْظِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ إِصَابَتِهَا مِنْ عِفَارِ النَّخْلِ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ شَرْطًا، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْعَجْلَانِيِّ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي شَرْطًا، وَقَوْلُهُ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِنْ كَذَبْتُ عَلَيْهَا شَرْطًا، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا فَلَا أَرَاهُ إِلَّا وَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا شَرْطًا "، وَمِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْإِصَابَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهَذَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ انْفِرَادَ الْعُمُومِ وَالسَّبَبِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْعُمُومِ دُونَ السَّبَبِ فَكَذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَا غَلَبَ حُكْمُ الْعُمُومِ عَلَى السَّبَبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ السَّبَبَ بَعْضُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْعُمُومُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْعُمُومُ لِدُخُولِهِ فِيهِ، وَخُصَّ بِمَا نَافَاهُ لِخُرُوجِهِ مِنْهُ، كَمَا خُصَّ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) [المائدة: ٣٨] . يقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ " وَلِمُنَافَاةِ الْعُمُومِ، وَلَمْ يُخَصَّ بِقَطْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي " الْمِجَنِّ " لِمُوَافَقَتِهِ الْعُمُومَ.

وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا أَنَّهُ قَذْفٌ يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَجَازَ أَنْ يَلْتَعِنَ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>