للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْبَسُ بِوَاحِدٍ. (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِهِ كَفَالَةَ الْوَجْهِ فِي غَيْرِ الْحَدِّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: في حقوق الله عز وجل.

والثاني: فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَأَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فِي حُدُودٍ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْإِدْرَاءِ وَالتَّسْهِيلِ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَمْوَالٍ فَهِيَ مَوْكُولَةٌ إِلَى أَمَانَتِهِ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ أَوْ زَكَاةٍ تُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِ مَا بِيَدِهِ، أَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَضَرْبَانِ: أَمْوَالٌ، وَحُدُودٌ.

فَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ فِيهَا جَائِزَةٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ: غَيْرَ أَنَّ كَفَالَةَ الْأَبْدَانِ عِنْدِي ضَعِيفَةٌ. فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِتَضْعِيفِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى إِبْطَالِهَا وَخَرَّجَ كَفَالَةَ النَّفْسِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ضَعْفِهَا فِي الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ ضَمَانٌ عُيِّنَ بِعَقْدٍ لَكِنْ جَازَ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَيْهِ وَكَمَا خَالَفَ ضَمَانَ الدَّرْكِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأُصُولِ، وَأَمَّا الْحُدُودُ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ فِيهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ فِيهَا ضَمَانُ مَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَجُزْ فِيهِ الْكَفَالَةُ بِذِي الذِّمَّةِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى فَارَقَ الْكَفَالَةَ فِي الْمَالِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ مَذَاهِبِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهَا كَالْأَمْوَالِ فِي جَوَازِ الْكَفَالَةِ فِيهَا بِالنَّفْسِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنَ الشَّرْحِ، لِأَنَّ جَمِيعَهَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي يُبَاشِرُ فِيهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْثِقُ فِيهَا لِمَنْ هِيَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَى الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَقِّ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، فَاسْتَوَى فِيهَا مَا يَجُوزُ ضمانه وما لا يجوز.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ زَنَى فَرْجُكِ أَوْ يَدُكِ أَوْ رِجْلُكِ فَهُوَ قَذْفٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ: ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي جامعه، فجعل قوله لها زنا فَرْجُكِ أَوْ يَدُكِ، أَوْ رِجْلُكِ، قَذْفًا وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إِلَّا فِي الْقَدِيمِ فقال: ولو قال: زنا فَرْجُكِ فَهُوَ قَاذِفٌ، وَإِنْ قَالَ: يَدُكِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>