للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ: أَنْ قَالُوا: قَدْ أَضْمَرْتُمْ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ الْإِقْرَارَ بِالْوَطْءِ وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ، وَنَحْنُ شَرَطْنَا الْإِقْرَارَ بِنَسَبِهِ وَهُوَ مَذْكُورٌ، فَصَارَ بِأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِهِ بِالْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى مِنَ الْوَطْءِ، الَّذِي لَيْسَ بِمَذْكُورٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَبْدًا ادَّعَى أُخُوَّتَهُ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ فَصَارَ الْفِرَاشُ مُوجِبًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ دُونَ الْإِقْرَارِ وَالْفِرَاشُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْوَطْءِ فَصَارَ ثُبُوتُ الْفِرَاشِ إِقْرَارًا بِالْوَطْءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ سَبَبَ لُحُوقِ نَسَبِهِ الْفِرَاشَ دُونَ الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّعْلِيلُ.

وَالِاعْتِرَاضُ الْخَامِسُ: أَنْ قَالُوا: إِنَّمَا أَثْبَتَ نَسَبَ الْوَلَدِ، لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَلَا يُرَاعَى إِقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ الثَّانِي.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ إِطْلَاقَ حُكْمِهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لِزَمْعَةَ وَلَدٌ غَيْرُ عَبْدٍ وَسَوْدَةَ، وَلَوْ كَانَ لَعُرِفَ فَبَطَلَ هَذَا التَّأْوِيلُ.

وَأَمَّا الدَّلِيلُ مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ: فَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَطَئُونَ وَلَائِدَهُمْ، ثُمَّ يُرْسِلُونَهُنَّ، لَا تَأْتِينِي وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سَيِّدُهَا أَنَّهُ قَدْ أَلَمَّ بِهَا إِلَّا أَلْحَقْتُ بِهِ وَلَدَهَا فَأَرْسِلُوهُنَّ بَعْدُ أَوْ أَمْسِكُوهُنَّ.

فَنَادَى بِهِ فِي النَّاسِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ، مَعَ انْتِشَارِهِ فِيهِمْ أَحَدٌ؛ فَصَارَ إِجْمَاعًا، فَإِنْ قِيلَ: خَالَفَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِأَنَّهُ نَفَى حَمْلَ جَارِيَةٍ لَهُ قِيلَ: إِنَّمَا نَفَاهُ لِأَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْزِلُ عَنْهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُجْمَعٌ مَعَهُمْ إِذْ لَوْ لَمْ يَعْزِلْ كَانَ لَاحِقًا بِهِ، وَأَمَّا الدَّلِيلُ مِنْ طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ: فَهُوَ أَنَّهُ وَطْءٌ ثَبَتَ بِهِ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ لُحُوقُ النَّسَبِ كَوَطْءِ الْحُرَّةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَثْبُتُ بِوَطْءِ الْحُرَّةِ ثَبَتَ بِوَطْءِ الْأَمَةِ كَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْوَطْءِ إِقْرَارٌ بِالسَّبَبِ وَالْإِقْرَارُ بِالسَّبَبِ إِقْرَارٌ بِالْمُسَبَّبِ: كَالْمُقِرِّ بِالشِّرَاءِ يَكُونُ مُقِرًّا بِالْتِزَامِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ بِالْمُسَبَّبِ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ فَإِذَا أُلْحِقَ بِالسَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَأَوْلَى أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُسَبَّبِ مِنَ الْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ حَلَالٌ فِي الظَّاهِرِ حَرَامٌ فِي الْبَاطِنِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَلْحَقَ بِوَطْءِ الْأَمَةِ الَّذِي هُوَ حَلَالٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ؛ وَلِأَنَّهُمْ قد ألحقو بِهِ وَلَدَ الْحُرَّةِ مَعَ عَدَمِ الْوَطْءِ وَنَفَوْا عَنْهُ وَلَدَ الْأَمَةِ مَعَ وُجُودِ الْوَطْءِ.

وَفِيهِ قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ " وَهَذَا عَكْسُ الْمَعْقُولِ وقلب للسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>