للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ فَوْقَهَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْمُضْغَةِ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِلْقَائِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ لِأَنَّهُ دَمٌ فَصَارَ كَدَمِ الْحَيْضِ وَلَا يَتِمُّ بِهِ الْقُرُوءُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدُمْ دَوَامَ الْحَيْضِ فَإِنِ اتَّصَلَ بِهِ الدَّمُ حَتَّى صَارَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ دَمُ حَيْضٍ يَتِمُّ بِهِ الطُّهْرُ وَلَا يَكُونُ نِفَاسًا لِأَنَّ النِّفَاسَ مَا اتَّصَلَ بِوَضْعِ الْوَلَدِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْمُضْغَةِ فَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ خَلْقُهُ وَتَشَكَّلَتْ أَعْضَاؤُهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّمَامُ وَالِاشْتِدَادُ فَهَذَا تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ بِهِ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ وَيَكُونُ مَا اتَّصَلَ بِهِ مِنَ الدَّمِ نِفَاسًا، وَإِنْ كَانَتْ مُضْغَةً فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ بَعْضُ الْأَعْضَاءِ مَنْ عَيْنٍ، أَوْ أُصْبُعٍ، أَوْ تَبِينُ فِيهِ أَوَائِلُ التَّخْطِيطِ وَأَوَائِلُ الصُّورَةِ فَتَتَعَلَّقُ فِيهِ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مُشَاهَدًا أَوْ كَانَ خَفِيًّا تُفَرِّقُهُ الْقَوَابِلُ عِنْدَ إِلْقَائِهِ في الماء الجار فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَتَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا تبلغ هذا الْحَدَّ وَتَضْعُفَ عَنْ قُوَّةِ الْحَمْلِ الْمُتَمَاسِكِ فَيَكُونُ بِالْعَلَقَةِ أَشْبَهَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَحْوَالِ انْتِقَالِهِ عَنْهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ لَحْمًا مُتَمَاسِكًا قَدْ تَهَيَّأَ لِلِانْتِقَالِ إِلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّخْطِيطِ وَلَمْ يَبْدُ فِيهِ تَصَوُّرٌ وَلَا تُخَطُّطٌ لَا ظَاهِرَ وَلَا خفي، فظاهر ما قاله الشافعي ها هنا فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ، وَظَاهِرُ مَا قَالَهُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ: أَنَّهَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَخَرَّجُوهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَتَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَبَادِئِ الْخِلْقَةِ فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ بِهِ خَلْقُهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَتَنْقَضِي بهد الْعِدَّةُ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا تجب في الْغُرَّةُ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْعِدَّةَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ وَإِلْقَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مُسْتَبْرِئٌ لِرَحِمِهَا كَمَا لَوْ تُصُوِّرَ فَلِذَلِكَ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِهِ، وَهِيَ إِنَّمَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا انْطَلَقَ اسْمُ الْوَلَدِ عَلَيْهِ وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ فَتَعَدَّتْ إِلَيْهَا، وَهُوَ قَبْلَ التَّصَوُّرِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَلَدِ اسْتَقَرَّتْ لَهُ حُرْمَةٌ تَعَدَّتْ إِلَيْهَا، فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَمْ تَجِبْ فيه الغرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>