للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا ذِمِّيًّا فَلَا عِدَّةَ وَلَا حِدَادَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْهُمَا وَلَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا مِنْهُمَا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَلَمَّا خَصَّ الْمُؤْمِنَةَ بِالذِّكْرِ دَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِالْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَسَقَطَتْ بِالْكُفْرِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا أُقِرَّتْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ كَانَ إِقْرَارُهَا عَلَى تَرْكِ الْإِحْدَادِ أَوْلَى.

وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: الْمُتَوَفَّى زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ وَلَا الْمُمَشوق وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا، فِيهِ؛ وَلِأَنَّهَا بَائِنٌ بِالْوَفَاةِ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَهَا الْعِدَّةُ وَالْإِحْدَادُ كَالْمُسْلِمَةِ، وَلِأَنَّ الْإِحْدَادَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِرِعَايَةِ الْحُرْمَةِ وَإِمَّا لِحِفْظِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ كَانَتِ الذِّمِّيَّةُ أَقَلَّ رِعَايَةً لِلْحُرْمَةِ فَهِيَ أَقْوَى شَهْوَةً لِقِلَّةِ الْمُرَاقَبَةِ فَكَانَتْ بِالْإِحْدَادِ أَوْلَى مِنَ الْمُسْلِمَةِ.

فَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَمْ يُذْكَرِ الْإِيمَانُ فِيهِ شَرْطًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى الْأَدْنَى وكما قال تعالى: {إن نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] فَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُ الْإِيمَانِ فِيهِنَّ شَرْطًا، وَكَانَ تَنْبِيهًا يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ آمَنَ وَمَنْ كفر.

والجواب عن قولهم: أن تعبد، فهو أن التعبد لما اقْتَرَنَ بِهِ حَقُّ الزَّوْجِ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى المحضة والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَلَوْ تَزَوَّجَتْ نَصْرَانِيَّةٌ نَصْرَانِيًّا فَأَصَابَهَا أَحَلَّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَيُحْصِنُهَا لِأَنَّهُ زَوْجٌ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَلَا يَرْجُمُ إِلَّا مُحَصَّنًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ: قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْهَا:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَنَاكِحَ الْمُشْرِكِينَ صَحِيحَةٌ وَأَبْطَلَهَا مالك.

والدليل عليه قول تَعَالَى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: ٤] فَجَعَلَهَا زَوْجَةً بِنِكَاحِ الشِّرْكِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وُلِدْتُ مِنْ نِكَاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ " وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ جَازَ وَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهَا فِي شِرْكِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>