للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَسْأَلَةِ الْخِلَافِ: أَنَّ الْعِدَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرَأَتْ عَلَى نِكَاحٍ فجاز أن يسقط حكمها له سفعها بِعِدَّةِ النِّكَاحِ لِقُوَّتِهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ طَرَأَتْ عِدَّةٌ عَلَى عِدَّةٍ فَلَزِمَتَا مَعًا، وَلَمْ يَتَدَاخَلَا لِأَنَّ فِي تَدَاخُلِهِمَا سُقُوطَ إِحْدَاهُمَا.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنْ قَالُوا قَدْ قُلْتُمْ فِي مُشْرِكٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي الشِّرْكِ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا وَوَطِئَهَا الثَّانِي ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ تُدْخِلُ فِيهَا مَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَكَانَ هَذَا تَدَاخُلُ عِدَّتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُشْرِكِينَ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الحرب لم يتداخل عِدَّتَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُنَا حِفْظُ أَنْسَابِهِمْ كَمَا يَلْزَمُنَا حِفْظُ أَنْسَابِنَا وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ فِي حَقِّ الْمُشْرِكِينَ كَمَا لَا يَتَدَاخَلَانِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا أَنْ نَحْفَظَ أَنْسَابَ الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ تَتَدَاخَلِ الْعِدَّتَانِ فِي حُقُوقِهِمْ وَإِنَّمَا تُوجَبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُشْرِكِ حِفْظًا لِنَسَبِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَسْتَبْرِئُ المسببة حِفْظًا لِنَسَبِ مَنْ يَسْتَمْتِعُ بِهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنْ قَالُوا قَدْ قُلْتُمْ فِي رجل وطأ أَمَةً اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ثُمَّ بَاعَهَا لَزِمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وإن لزمها الاستبراء بقرأين ويدخل أحد الاستبرائين فِي الْآخَرِ كَذَلِكَ تَدَاخُلُ الْعِدَّتَيْنِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِأَصْحَابِنَا أَيْضًا فِيهَا وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءَ بِقُرْأَيْنِ لِلْمُسْتَبْرَأَيْنِ، وَلَا تَتَدَاخَلُ وَهَذَا أَصَحُّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ عَلَيْهِمَا الاستبراء وَاحِدٌ، وَيَتَدَاخَلُ الِاسْتِبْرَاءَانِ وَإِنْ لَمْ تَتَدَاخَلِ الْعِدَّتَانِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِبْرَاءُ أَخَفُّ مِنَ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وَالْعِدَّةَ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فَجَازَ أَنْ يَتَدَاخَلَ الِاسْتِبْرَاءُ لِضَعْفِهِ وَلَمْ تَتَدَاخَلِ الْعِدَّةُ لِقُوَّتِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْبَائِعِ اسْتِبْرَاءٌ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِحُدُوثِ مِلْكِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْفِرَاشِ فَلَمْ يُؤَثِّرِ ارْتِفَاعُهُ فِي سُقُوطِهَا، وَهُوَ الْعِلَّةُ فِي وجوبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>