للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استئناف العدة كالموت الذي يوهب اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ رَجْعَةٌ، وَتَمَسَّكَ قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ بِظَاهِرِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ " ارْتَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْتَجِعْ سَوَاءً ".

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْعِدَّةِ وَلَا تَسْتَأْنِفُهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ، لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ اخْتَارَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ أَنْ تَسْتَأْنِفَ وَقَبْلَ الرَّجْعَةِ أَنْ تَبْنِيَ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَمَّا رَفَعَتِ التَّحْرِيمَ رَفَعَتِ الْعِدَّةَ وَالتَّحْرِيمُ لَا يَرْتَفِعُ بِعَدَمِ الرَّجْعَةِ فَلَمْ تَرْتَفِعِ الرَّجْعَةُ.

وَاحْتَجَّ أَبُو إِسْحَاقَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَسَوَاءٌ اجْتَمَعَتْ أَوْ تَفَرَّقَتْ إِذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهَا إِبَاحَةٌ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ " ارْتَجَعَ أَوْ لَمْ يَرْتَجِعْ سَوَاءٌ " عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ ليبطل به ما أوجبه ودعي إِلَيْهِ، وَهُنَا لَا يَلْزَمُ فَكَذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ.

وَمِثَالُهُ مَا قَالَهُ فِي كِتَابِ " الْبُيُوعِ " مِنَ الْقَوْلَيْنِ فِي اللُّحْمَانِ وَمَنْ قَالَ إِنَّ اللُّحْمَانَ صِنْفٌ وَاحِدُ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الثِّمَارِ أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ أَيْ لَمْ يَقْبَلْ بِهَذَا أَحَدٌ فِي الثِّمَارِ، فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ بِهِ فِي اللُّحْمَانِ، فَأَمَّا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ بِإِجْمَاعٍ فَلَا يَبْطُلُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ عِدَّةٍ قَائِمَةٍ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ مِثْلِهِ، أَوْ قِيَاسٍ عَلَى نَظِيرِهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ لِمَنْ خَالَفَهُ فِي اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ بِإِجْمَاعٍ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إِلَّا بِإِجْمَاعٍ، وَالْإِجْمَاعُ أَنْ تَأْتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّانِي وَاللَّهُ أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>