للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَعِدَّتِهَا إِذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ وغير ذلك)

[(مسألة)]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فِي امْرَأَةِ الْغَائِبِ أَيَّ غَيْبَةٍ كَانَتْ لَا تَعْتَدُّ وَلَا تَنْكِحُ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَهَا يَقِينُ وفاته وترثه ولا يجوز أن تعتد من وفاته ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه في امرأة المفقود إنها لا تتزوج ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَلِغَيْبَةِ الرَّجُلِ عَنْ زَوْجَتِهِ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلَ الْأَخْبَارِ مَعْلُومَ الْحَيَاةِ فَنِكَاحُ زَوْجَتِهِ مُحَالٌ، وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَسَوَاءٌ تَرَكَ لَهَا مَالًا أَمْ لَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعَ الْأَخْبَارِ مَجْهُولَ الْحَيَاةِ فَحُكْمُهُ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ فِي سَفَرِهِ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ قَعَدَ فِي بَلَدِهِ أَوْ بعده خُرُوجِهِ مِنْهُ فِي بَرٍّ كَانَ سَفَرُهُ أَوْ فِي بَحْرٍ، وَسَوَاءٌ كُسِرَ مَرْكَبُهُ أَوْ فُقِدَ بين صفي حرب فهو في هذه الأحوا كلها مفقود وما له عَلَيْهِ مَوْقُوفٌ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وُكَلَاؤُهُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ وَرَثَتُهُ، فَأَمَّا زَوْجَتُهُ إِذَا بَعُدَ عَهْدُهُ، وَخَفِيَ خَبَرُهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ ثُمَّ بِحُكْمِ مَوْتِهِ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَإِذَا انْقَضَتْ فَقَدْ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا فَرَّقَ بَيْنَ خُرُوجِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَجَعَلَهُ مَفْقُودًا إِذَا خَرَجَ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ.

وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] وَفِي حَبْسِهَا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ إِضْرَارٌ وَعُدْوَانٌ.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَتْ إِنَّ زَوْجِي خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِ أَهْلِهِ وَفُقِدَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ فَتَرَبَّصَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>