للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتَزَوَّجْ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا سَوَاءٌ بَانَتْ حَيَاةُ الْأَوَّلِ أَوْ مَوْتُهُ.

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: حَكَاهُ الدَّارِكِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ إِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ وَبَاطِلٌ إِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحُكْمِ بِفَسْخِ نِكَاحِهِ لِتَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَإِذَا وُجِدَ الْمَقْصُودُ اسْتَقَرَّ الْحُكْمُ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَالْمُتَيَمِّمِ مَقْصُودُهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فَإِذَا وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ، وَإِذَا وُجِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا بَطَلَ، فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ تخَرِّجُ مِنْهَا فِي نِكَاحِ الْأَوَّلِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ عَلَى تَفْصِيلِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نِكَاحُ الثَّانِي صَحِيحًا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى لِلزَّوْجَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ، وَحَكَى الْكَرَابِيسِيُّ أَنَّ عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مَهْرَ مِثْلِهَا، وَأَنْكَرَهُ سَائِرُ أَصْحَابِنَا عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ عَلَى تَفْصِيلِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نِكَاحُ الثَّانِي بَاطِلًا وَفِي زَمَانِ بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا حِينَ الْعَقْدِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلَيْهِ إِنْ دَخَلَ بِهَا مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى، لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي صَحِيحٌ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَبَاطِلٌ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَيَاةِ الْأَوَّلِ كَالْغَاصِبِ إِذَا غَرِمَ قِيمَةَ الْعَبْدِ بَعْدَ إِبَاقِهِ، أَوِ الْجَانِي إِذَا غَرِمَ دِيَةَ الْعَيْنِ بَعْدَ بَيَاضِهَا ثُمَّ وُجِدَ الْعَبْدُ، وَبَرَأَتِ الْعَيْنُ رُدَّتِ الْقَيِّمَةُ بَعْدَ صِحَّةِ مِلْكِهَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ، فَأَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ فَلَا يَخْتَلِفُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ، وَنِكَاحَ الثَّانِي بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِذَا نَكَحَتْ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ ثُمَّ بَانَ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ نِكَاحِهَا فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ نِكَاحُهَا جَائِزٌ، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ اعْتِبَارًا بِحَظْرِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ.

وَالثَّانِي: صَحِيحٌ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ الْإِبَاحَةِ مِنْ بَعْدُ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَاخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ دَارَ أَبِيهِ يَظُنُّهُ حَيًّا فَبَانَ مَيِّتًا، وَكَاخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَكِيلِ إِذَا بَاعَ بَعْدَ عَزْلِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْعَزْلِ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ نِكَاحُ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُعْتَقَدُ أَنَّهَا أُخْتُهُ فَكَانَتْ أَجْنَبِيَّةً أَوْ يُعْتِقُ أَمَةَ أَبِيهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَارِثُهَا، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ رَاكِبًا فَزَحَمَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهَا تَأَخَّرِي عَنِ الطَّرِيقِ يَا حُرَّةُ ثُمَّ عَرَفَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ فَلَمْ يَتَمَلَّكْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَتَقَتْ عِنْدَهُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَعْتَقَهَا تَبَرُّعًا وَتَوَرُّعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>