للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا نَفَقَةَ لَهَا مِنْ حِينَ نَكَحَتْ وَلَا فِي حِينِ عِدَّتِهَا مِنَ الْوَطْءِ الْفَاسِدِ لِأَنَّهَا مخرجة نفسها من يديه وغيره وَاقِفَةٍ عَلَيْهِ وَمُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي دَخَلَتْ فِيهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا، لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لَا مِنْهَا فَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إِلَى حَاكِمٍ لَمْ يَرَ الْفُرْقَةَ وَلَا ضَرْبَ الْمُدَّةِ كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَإِنْ رَأَى وَحَكَمَ لَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ بِنَفْسِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ فِيهَا عَلَيْهِ فَإِذَا انْقَضَتْ بِهِ التَّرَبُّصَ ودخلت في الاعتداد بأربعة أشهر وعشراً، فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ لَكِنْ فِي اسْتِحْقَاقِهَا لِلسُّكْنَى في مدة العدة قولان؛ لأنها من عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ لَهَا النَّفَقَةُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ، وَالْحُكْمَ بِهَا لَمْ يُنَفَّذْ، وَاعْتِقَادَهَا لِلتَّحْرِيمِ لَا يُسْقِطُ نَفَقَتَهَا مَا كَانَتْ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقَهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ حِينَئِذٍ نَفَقَتُهَا بِالتَّزْوِيجِ سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ نِكَاحَ الثَّانِي صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلٌ، لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالنِّكَاحِ نَاشِزًا، فَإِنْ فَارَقَهَا الثَّانِي وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ إِصَابَتِهِ فَإِنْ حَضَرَ الْأَوَّلُ وَأُقِرَّتْ عَلَى نِكَاحِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا مَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنَ الثَّانِي لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَإِذَا قَضَتْهَا وَسَلَّمَتْ نَفْسَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ نَفَقَتُهَا وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ حِينَ فَارَقَهَا الثَّانِي غَائِبًا، وَقَضَتْ عِدَّتَهَا وَعَادَتْ إِلَى مَسْكَنِ الْأَوَّلِ مُسَلِّمَةً نَفْسَهَا، فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا قَبْلَ أَنْ يَعُودَ فَيَتَسَلَّمَهَا ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا يَقْتَضِي وُجُوبَ نَفَقَتِهَا، لِأَنَّهُ قَالَ لَا نفقة لها من حين نكحت ولا في حِينِ عِدَّتِهَا فَدَلَّ مَجْرَى كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ بَعْدَ عِدَّتِهَا.

وَرَوَى الرَّبِيعُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ خَرَّجُوا وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ:

أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: لَهَا النَّفَقَةُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عَادَتْ إِلَى يَدِهِ بِمَعْنَاهَا الْأَوَّلِ مِنَ الْإِبَاحَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى يَعُودَ الْأَوَّلُ فَيَتَسَلَّمَهَا عَلَى مَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا إِنَّمَا يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَتَسَلَّمُهَا أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَكَحَهَا ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا ثُمَّ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي غَيْبَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْلِيمًا تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ كَذَلِكَ هَذِهِ، وَلِأَنَّهَا بِنِكَاحِ الثَّانِي مُتَعَدِّيَةٌ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ فَصَارَتْ كَالْمُتَعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ لَا يَسْقُطُ التَّعَدِّي بِالْكَفِّ عَنْهَا إِلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهَا إِلَى مَالِكِهَا كَذَلِكَ هَذِهِ فَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْ أصحابنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>