للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُلْحَقُ بِهِ، لِأَنَّ الْمَفْقُودَ مَنْ عُدِمَتْ أَخْبَارُهُ، وَانْقَطَعَتْ آثَارُهُ، وَقَدْ مَضَى مِنْ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ مَا يَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ مَائِهِ مَعَهَا فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا مِنْهُ، وإن تزوجت غيره ولدت بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ دُخُولِ الثَّانِي فَهُوَ لَاحِقٌ بِالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يَدِّعِهِ الْأَوَّلُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ تَلِدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الثَّانِي يَكُونُ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَشْرِقِيِّ إِذَا تَزَوَّجَ بِمَغْرِبِيَّةٍ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ، فَإِنِ ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أُرِيَتْهُ الْقَافَةُ " فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ادِّعَائِهِ لَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ فِي الدَّعْوَى إِنِّي رَجَعْتُ سِرًّا فَأَصَبْتُهَا، وَيَكُونُ مَا ادَّعَاهُ مُمْكِنًا فيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثَّانِي فَيَرَى الْقَافَةُ حَتَّى يُلْحِقُوهُ بِأَشْبَهِهِمَا بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي دَعْوَاهُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَلَدِ وَيَكُونُ مِنَ الثَّانِي، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا ادَّعَاهُ دَعْوَى مُجَرَّدَةً قَبِلْنَا دَعَوَاهُ، وَجَعَلْنَا لَهُ فِي الْوَلَدِ حَقًّا فَيَرَى الْقَافَةُ فَيُلْحِقُوهُ بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِهِ لَجَعَلْنَاهُ لِلثَّانِي تَغْلِيبًا لِلظَّاهِرِ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُلْحَقُ بِهِ الولد إذا لم تتزوج.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَالْآخُرُ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا بَدَأَتْ فَاعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ثَمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ بِالْحُكْمِ بَعْدَ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ ثُمَّ يَمُوتُ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْكَلَامُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى بَيَانِ حُكْمَيِ الْعِدَّةِ، وَالْمِيرَاثِ، فَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَقْدِ الثَّانِي: هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ، فَإِنْ قِيلَ بِصِحَّتِهِ، وَإنَّ نِكَاحَ الْأَوَّلِ قَدِ انْفَسَخَ بِالْحُكْمِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ نُظِرَ فِي الْمَيِّتِ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الثَّانِيَ فَلَهَا مِيرَاثُهُ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا هُوَ الْمَيِّتُ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مِنْهُمَا هُوَ الثَّانِي وَهِيَ شَاكَّةٌ فِي مَوْتِهِ فَكَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى نِكَاحِهِ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ فَتَعْتَدَّ مِنْهُ وَتَرِثَهُ.

وَإِنْ قِيلَ: بِفَسَادِ نِكَاحِ الثَّانِي وَبَقَائِهَا عَلَى نِكَاحِ الْأَوَّلِ لَمْ يَخْلُ حَالُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا الْأَوَّلُ أَوِ الثَّانِي أَوْ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ أَوْ هُمَا جَمِيعًا معاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>