للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا إِنْ أَقْبَضَهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِبْرَاؤُهَا إِنْ لَمْ يُقْبِضْهَا اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَزِمَهُ قِيَاسًا، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ لَوْ دَفَعَ الْقِيَاسَ لَكَانَ بِإِيجَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ أَحَقَّ، فَأَمَّا إِنْ تَفَاسَخَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْبِرَامِ الْبَيْعِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ " الْبُيُوعِ " بِمَا أَغْنَى عَنِ الإعادة.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالِاسْتِبْرَاءُ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي طَاهِرًا بَعْدَ مِلْكِهَا ثَمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً مَعْرُوفَةً فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهَا فَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْأَمَةِ وَاجِبٌ فَمَلَكَ الرَّجُلُ أَمَةً بِالِابْتِيَاعِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، وَيُسْتَحَبُّ لَوِ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ.

وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِبْرَاءُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ بَعْدَ رَفْعِ يَدِ الْبَائِعِ، وَقَبْلَ دُخُولِ يَدِ الْمُشْتَرِي.

فَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فاستدل بأنه لما لزم استبراء الحرية قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا لَزِمَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ابْتِيَاعِ الْمُشْتَرِي لَهَا.

وَأَمَّا النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، فَإِنَّهُمَا اسْتَدَلَّا بِأَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ لِتَقَدُّمِ إِصَابَتِهِ، وَمِنْ مَاءِ الْمُشْتَرِي لِمُسْتَحْدِثِ إِصَابَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَبْرِئَ نَفْسَهَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لِحِفْظِ مَائِهِ، وَفِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِحِفْظِ مَائِهِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ اسْتِبْرَاءَهَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ تَنُوبُ عَنِ الْحَقَّيْنِ، وَفِي يَدِ أَحَدِهِمَا تَنُوبُ عَنْ حَقِّهِ فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الْحَقَّيْنِ بِالْمُوَاضَعَةِ أَوْلَى مِنِ اسْتِيفَاءِ أَحَدِهِمَا بِالِانْفِرَادِ.

وَدَلِيلُنَا عَلَى جَمَاعَتِهِمْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ " فَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَيْضَ مُبِيحًا لِلْوَطْءِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَكَانَ مَانِعًا مِنَ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا يُبِيحُهُ إِذَا كَانَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ سُفْيَانَ وَإِبْرَاهِيمَ لِأَنَّهُ أَبَاحَهَا بَعْدَ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ، وَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ بَعْدَ حُصُولِ السَّبْيِ فِي مِلْكِ الْغَانِمِينَ، وَفِي أَيْدِيهِمْ، وَلِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>