للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِبْرَاءٌ عَنْ إِصَابَةٍ، فَإِنِ احْتَجَجْتُ بِهِ عَلَى الْبَتِّيِّ قُلْتُ: فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ زَوَالِ الْإِبَاحَةِ كَالزَّوْجِيَّةِ، وَإِنِ احْتَجَجْتُ بِهِ عَلَى الثَّوْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، قُلْتُ: فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيهِ إِلَّا اسْتِبْرَاءٌ وَاحِدٌ كَالزَّوْجِيَّةِ، وَإِنِ احْتَجَجْتُ بِهِ عَلَى مَالِكٍ، قُلْتُ: فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ فِيهِ الْمُوَاضَعَةُ كَالزَّوْجَةِ.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْبَتِّيِّ بِالنِّكَاحِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِابْتِيَاعِ وَإِنْ كَانَا بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مِلْكَ الْمُطَلِّقِ يَزُولُ عَنِ الزَّوْجَةِ إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ فَأَمْكَنَ تَقْدِيمُ اسْتِبْرَائِهَا عَلَى عَقْدِ الثَّانِي، وَمِلْكُ الْبَائِعِ يَزُولُ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَمْ يُمْكِنْ تَقْدِيمُ اسْتِبْرَائِهَا عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي.

وَالثَّانِي: أَنَّ تَحْرِيمَ الْمَنْكُوحَةِ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ نِكَاحِهَا، فَلِذَلِكَ قُدِّمَ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَيْهِ وَتَحْرِيمُ الْأَمَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهَا، فَجَازَ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْعَقْدِ فَمَنَعَ بَقَاءُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ صِحَّتِهِ وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ فِرَاشًا بِالْبَيْعِ فَلَمْ يَمْنَعْ بَقَاءُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ صِحَّتِهِ.

وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ فَخَالَفَا مَوْضِعَ الِاسْتِبْرَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا يَتَمَيَّزُ لَهُ حِفْظُ مَا فِي الرَّحِمِ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ وَهُوَ لا يستحقه إلا واحد فلذلك وجب اسبتراء واحد، ولووجب استبراآن لَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا بِاثْنَيْنِ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ فَرَّقَ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ بَيْنَ الْقَبِيحَةِ وَالْمَلِيحَةِ فَأَوْجَبَ الْمُوَاضَعَةَ فِي الْمَلِيحَةِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي الْقَبِيحَةِ، وَحُكْمُ الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَفْتَرِقُ فِي الْقَبَائِحِ، وَالْمِلَاحِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ قَدْ مَنَعْتَ بِهِ الْمُشْتَرِيَ مِنْ قَبْضِ مَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِقَبْضِهِ مِنْ مِلْكِهِ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنِهِ؟ وَفَوَّتَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعَ، وَلَيْسَ مَنْعُهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ يَتْلَفُ فِي الْمُوَاضَعَةِ فَمِنْ مَالِ أَيِّهِمَا يَتْلَفُ، فَإِنْ قَالَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَذْهَبُهُ، قِيلَ: قَدْ أَقْبَضَ مَا بَاعَ فَلِمَ جَعَلْتَهُ تَالِفًا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ إِقْبَاضِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَسَادِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَكُونُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَعْدَ حُدُوثِ كُلِّ مِلْكٍ بِغَيْرِ شِرَاءٍ مِنْ وَصِيَّةٍ، وَهِبَةٍ، وَمَغْنَمٍ، وَمِيرَاثٍ انْقَسَمَتْ أَسْبَابُ الْأَمْلَاكِ ثلاثة أقسام: قسم لا نصح الِاسْتِبْرَاءُ، فِيهِ إِلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهُوَ مَا كَانَ الْقَبْضُ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ مِلْكِهِ وَهُوَ الْهِبَةُ وَالْمَغْنَمُ، فَإِنْ وُجِدَ الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَلَزِمَ أَنْ تَسْتَبْرِئَ بَعْدَهُ.

وَقِسْمٌ ثَانٍ: يُعْتَدُّ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ الْمِيرَاثُ، فَإِذَا وُجِدَ الاستبراء

<<  <  ج: ص:  >  >>