للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تَكُونُ أُمًّا.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَانَ فِي سَبْيِ هَوَازِنَ الشَّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الرَّضَاعَةِ فَعِيفَ بِهَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي تقول: أنا أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ، وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ قَالَتْ عَضَّةٌ عَضِضْتَهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ فَعَرَفَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَلَامَةَ وَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْمُقَامِ عِنْدَهُ مُكَرَّمَةً أَوِ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِهَا مُمَتَّعَةً، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُمَتِّعَهَا وَتَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهَا فَفَعَلَ.

فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ بِنْتَ الْمُرْضِعَةِ أُخْتٌ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَثَبَتَ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبِرَيْنِ أَنَّهَا كَالنَّسَبِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُ النَّسَبِ إِلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا بَيَّنَ بِهِ حُكْمَ الرَّضَاعِ فِي تَحْرِيمِ الْمَنَاكِحِ تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ فَقَالَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إِلَى قَوْلِهِ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ من الرضاعة} فَسَمَّى الْمُرْضِعَةَ أُمًّا وَبِنْتَهَا أُخْتًا تَأْكِيدًا، لِمَا تَقَدَّمَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ الِاسْمِ وَزِيَادَةً عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ وَحُرْمَتُهَا كَتَحْرِيمِ الْأُمِّ، لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي حِفْظِ حَيَاتِهِ كَمَا كَانَتِ الْوَالِدَةُ أَصْلًا فِي إِيجَادِهِ، وَصَارَتْ بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ أُخْتًا كَمَا كَانَتْ بِنْتُ الْوَالِدَةِ أُخْتًا، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِمَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ مَقْصُورًا عَلَيْهِمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّيًا عَنْهُمَا إِلَى السَّبْعِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْأَنْسَابِ، فَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِبَيَانِ مَا أُرِيدَ بِالْكِتَابِ، فَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ ".

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ علي ابن أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ عَمِّكَ حَمْزَةَ فَإِنَّهَا أَجْمَلُ فَتَاةٍ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ حَمْزَةَ أَخِي فِي الرَّضَاعَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ.

فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعَةِ كَتَحْرِيمِ النَّسَبِ فَالَّذِي يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ النِّسَبِ حُكْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ الْمَنَاكِحِ لِذِكْرِهِ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ.

وَالثَّانِي: ثُبُوتُ الْمُحَرَّمِ فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ مَعَهَا.

رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ أَفْلَحَ أَخِي أَبِي الْقُعَيْسِ هَلْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا؟ وَكَانَتِ امْرَأَةُ أَبِي قُعَيْسٍ قَدْ أَرْضَعَتْهَا فقال: " ليلج عليك، فإنه معك مِنَ الرَّضَاعَةِ)) ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْمَعُ صَوْتَ رَجُلٍ فِي مَنْزِلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>