للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّسَبِ، وَأَمَّا انْتِشَارُهَا مِنْ جِهَتِهِ إِلَيْهِمَا فَهِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَإِنْ سَفُلَ دُونَ مَنْ عَلَا مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ، وَدُونَ مَنْ شَارَكَهُ فِي النِّسَبِ مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ فَلَا يحرم آباؤه وأمهاته وَلَا أَخَوَاتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَبَوَيِ الرَّضَاعِ، فَيَكُونُ انْتِشَارُ الْحُرْمَةِ مِنْ جِهَتِهِ أَخَصَّ، وَانْتِشَارُهَا مِنْ جِهَتِهِمَا أَعَمَّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي عُمُومِ الْحُرْمَةِ مِنْ جِهَتِهِمَا وَخُصُوصِيَّتِهَا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا دُونَهُ، وَفِعْلَ الرَّضَاعِ مِنْهُمَا لَا مِنْهُ، فَكَانَتْ جِهَتُهُمَا أَقْوَى فَعَمَّتِ الْحُرْمَةُ وَضَعُفَتْ مِنْ جِهَتِهِ فَخُصَّتِ الْحُرْمَةُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي عَلَيْهِ مَدَارُ الرَّضَّاعِ وَبِهِ يُعْتَبَرُ حُكْمَاهُ فِي التَّحْرِيمِ وَالْمُحَرَّمِ فَانْتِشَارُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمُرْضِعَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَانْتِشَارُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْفَحْلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ وَانْتِشَارَهَا مِنْ جِهَةِ الْفَحْلِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْمُحَرَّمِ كَثُبُوتِهَا، وَانْتِشَارِهَا مِنْ جِهَةِ الْمُرْضِعَةِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْفَحْلَ لَا يَنْتَشِرُ عَنْهُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ، وَلَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَتِهِ تَحْرِيمٌ وَلَا مُحَرَّمٌ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمُرْتَضَعَةَ بِلَبَنِهِ وَكَذَلِكَ وَلَدُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: ابْنُ عُمَرَ: وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ النَّخَعِيُّ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْأَصَمُّ وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَجَعَلَهُ دَاوُدُ مَقْصُورًا عَلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) [النساء: ٢٣] فَخَصَّهُمَا بِذِكْرِ التَّحْرِيمِ ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدُ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ مَنْ عَدَاهُمَا وَادَّعَوْا فِي ذَلِكَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ خَطَبَ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ، لِأَخِيهِ حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ كَيْفَ أُزَوِّجُهَا بِهِ وَهُوَ أَخُوهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَاكَ لَوْ أَرْضَعَتْهَا الْكَلْبِيَّةُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَحَمْزَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أُمُّهُ الْكَلْبِيَّةُ، وَكَانَتْ أَسْمَاءُ قَدْ أَرْضَعَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَصَارَتْ بِزَيْنَبَ أُخْتًا لِعَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَأُخْتًا لِحَمْزَةَ مِنْ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ فَجَعَلَهَا عَبْدُ اللَّهِ أُخْتًا لِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا أُخْتًا لِأَخِيهِ حَمْزَةَ، وَلَا جَعَلَ اللَّبَنَ لِأَبِيهِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: سَلِي الصَّحَابَةَ، فَسَأَلُوا، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحِيرَةِ فَأَبَاحُوهَا لَهُ، وَقَالُوا: لَبَنُ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ فَزُوِّجَتْ بِهِ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ مَاتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>