للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُزَالَهَا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ نُقْصَانِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا.

(القول في ما يجب للزوجة من الفراش)

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلِامْرَأَتِهِ فِرَاشٌ وَوِسَادَةٌ مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلِخَادِمَهَا فَرْوَةٌ وَوِسَادَةٌ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ عَبَاءَةٍ أَوْ كِسَاءٍ غَلِيظٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدَّمَ الشَّافِعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْقُوتِ لِأَنَّهُ أَعَمُّ ثم تلاه بالكسوة لأنها أمس ثُمَّ عَقَبَهُ بِالدِّثَارِ وَالْوَطَاءِ، لِأَنَّ دِثَارَ الشِّتَاءِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ لِدَفْعِ الْبَرْدِ بِهِ فَكَانَ مستحقاً على الزوج، وعاد النَّاسِ فِي الدِّثَارِ تَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْمِلُ اللُّحُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْمِلُ الْقُطُفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْمِلُ الْأَكْسِيَةَ فَيَفْرِضُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَلَدِهَا. فَيَكُونُ لِزَوْجَةِ الْمُوسِرِ لِحَافٌ مَحْشُوٌّ مِنْ مُرْتَفِعِ الْقُطْنِ أَوْ مِنْ وسط الحرير، وإن كانوا يستعملون القطيف فَرَضَ لَهَا قَطِيفَةً مُرْتَفِعَةً، أَوِ الْأَكْسِيَةَ فَرَضَ لَهَا كِسَاءً مُرْتَفِعًا مِنْ أَكْسِيَةِ بَلَدِهَا، وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْمُتَوَسِّطِ الْوَسَطَ مِنَ اللُّحُفِ أَوِ الْقُطُفِ أَوِ الْأَكْسِيَةِ، وَلِزَوْجَةِ الْمُقْتِرِ الْأَدْوَنُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، هَذَا فِي الشِّتَاءِ فَأَمَّا الصَّيْفُ فَإِنِ اعْتَادُوا لِنَوْمِهِمْ غِطَاءً غَيْرَ لِبَاسِهِمْ فَرَضَ لَهَا بِحَسْبِ عُرْفِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَادُوهُ أُسْقِطَ عَنْهُ، وَخَالَفَ فِيهِ حَالُ الشِّتَاءِ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِيهِ الِاسْتِكْثَارُ فِي دِثَارِ اللَّيْلِ عَلَى لِبَاسِ النَّهَارِ.

وَالْعُرْفُ فِي الصَّيْفِ إِسْقَاطُ اللِّبَاسِ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ عَنْ لِبَاسِ النَّهَارِ، وَأَمَّا الْوِطَاءُ فَهُوَ نَوْعَانِ: بِسَاطٌ لِجُلُوسِهَا، وَفِرَاشٌ لِمَنَامِهَا، فَأَمَّا بِسَاطُ الْجُلُوسِ فَمِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مُوسِرٌ وَلَا مُقْتِرٌ، فَيَفْرِضُ لَهَا بِحَسَبِ حَالِهِ وَعَادَةِ أَهْلِهِ مِنْ بُسُطِ الشِّتَاءِ وَحُصُرِ الصَّيْفِ، فَأَمَّا الْفِرَاشُ فكان الامصار وذو الْيَسَارِ يَسْتَعْمِلُونَهُ زِيَادَةً عَلَى بُسُطِ جُلُوسِهِمْ، فَيُفْرَضُ لَهَا عَلَيْهِ فِرَاشٌ مَحْشُوٌّ وَوِسَادَةٌ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَأَمَّا سُكَّانُ الْقُرَى وَدُورِ الْأَقْتَارِ فَيَكْتَفُونَ فِي نَوْمِهِمْ بِالْبُسُطِ الْمُسْتَعْمَلَةِ لِجُلُوسِهِمْ. فَلَا يُفْرَضُ لمثلها فراش لكن وسادة لرأسها، قَدْ أَلِفَ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَكُونَ جِهَازُ الْمَنَازِلِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ عُرْفًا مُعْتَبَرًا. كَمَا أُلِفَ رَشْوَةَ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَصِيرُ حَقًّا مَعْتَبَرًا، لِأَنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ فِي الْمَنَاكِحِ تَجِبُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ فَلَا تُعْكَسُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَأَمَّا خَادِمُهَا فَلَا يستغنى عن دثار في الشتار بِحَسْبِ عَادَتِهِ مِنَ الْفِرَاءِ وَالْأَكْسِيَةِ وَوِسَادَةٍ لِرَأْسِهِ وَبِسَاطٍ لِجُلُوسِهِ وَمَنَامِهِ مَا يَجْلِسُ مِثْلُهُ عَلَيْهِ فِي جَسَدِهِ. . فَيُفْرَضُ عَلَيْهِ لِخَادِمِهَا ذَلِكَ كَمَا يفرض قوته وكسوته.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِذَا بَلِيَ أَخْلَفَهُ وَإِنَّمَا جَعَلْتُ أَقَلَّ الْفَرْضِ فِي هَذَا بِالدَّلَالَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي دَفْعِهِ إِلَى الَّذِي أَصَابَ أَهْلَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَرَقًا فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِسِتِّينَ مِسْكِينًا وَإِنَّمَا جَعَلْتُ أَكْثَرَ مَا فَرَضْتُ مُدَّيْنِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا أَمَرَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>