للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ، وَهِيَ جَارِيَةٌ بِتَصَرُّفِهَا وَعَمَلِهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهَا فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ فَيُرَاعَى فِيهَا الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فِي مُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهَا. فَإِنْ بَلِيَتْ قَبْلَهَا أَوْ بَقِيَتْ بَعْدَهَا فَهِيَ كَالثِّيَابِ عَلَى مَا مَضَى.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا وَأَخَذَتْ مَا تَسْتَحِقُّهُ وَاسْتَعْجَلَتْهُ فَفَارَقَهَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ وَمَا أَخَذَتْهُ مِنْ ذَلِكَ بَاقٍ بِحَالِهِ. فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قُوتًا أَوْ كِسْوَةً. فَإِنْ كَانَ قُوتُ يَوْمِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا لِاسْتِحْقَاقِهَا لَهُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ، وَإِنْ تَعَجَّلَتْ قُوتَ شَهْرٍ فَطَلَّقَهَا لِيَوْمِهَا اسْتَرْجَعَ مِنْهَا مَا زَادَ عَلَى قُوتِ الْيَوْمِ لِأَنَّهُ تَعْجِيلُ مَا لَا تَسْتَحِقُّ فَصَارَ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إِذَا ثَبَتَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَى الْآخِذِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ عَنْهَا اسْتَرْجَعَ الْوَرَثَةُ مِنْهَا نَفَقَةَ مَا زَادَ عَلَى يَوْمِ الْمَوْتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرْجِعُ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهَا بِرٌّ وَمُوَاسَاةٌ وَهِيَ عِنْدُنَا مُعَاوَضَةٌ فَرَجَعَ بِهَا عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ كِسْوَةً مِنْ لِبَاسٍ أَوْ دِثَارٍ. فَفَارَقَهَا بَعْدَ دَفْعِهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ. فَفِي اسْتِحْقَاقِ الرُّجُوعِ بِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ بِهَا كَالْقُوتِ الْمُعَجَّلِ لِأَنَّهَا لِمُدَّةٍ لَمْ تَأْتِ.

وَالْوَجْهُ الثاني: لا يرجع بها لأنه دَفَعَهَا مُسْتَحِقٌّ لِمَا تُؤْخَذُ بِهِ جَبْرًا بِخِلَافِ الْقُوتِ الْمُعَجَّلِ. فَجَرَى مَجْرَى قُوتِ الْيَوْمِ الَّذِي لَا يُسْتَرْجَعُ.

( [الْقَوْلُ فِي نَفَقَةِ الْبَدَوِيَّةِ)

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَتْ بَدَوِيَّةً فَمَا يَأْكُلُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَمِنَ الْكِسْوَةِ بِقَدْرِ مَا يَلْبَسُونَ لَا وَقْتَ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَدْرُ مَا يَرَى بِالْمَعْرُوفِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ يُخَالِفُونَ الْحَاضِرَةَ فِي الْأَقْوَاتِ وَاللِّبَاسِ، فَأَقْوَاتُهُمْ أَخْشَنُ وَمَلَابِسُهُمْ أَخْشَنُ، وَمَنْ قَرُبَ مِنْ أَمْصَارِ الرِّيفِ وَطُرُقِهَا كَانَ فِي الْقُوتِ وَاللِّبَاسِ أَحْسَنَ حَالًا مِمَّنْ بَعُدَ عَنْهَا، فَيَنْظُرُ فِي الْأَقْوَاتِ إِلَى عُرْفِهِمْ فَيَفْرِضُ لَهَا مِنْهُ، وَفِي الْمَلَابِسِ إِلَى عُرْفِهِمْ فَيَفْرِضُ لَهَا مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَضَرِيًّا وَالزَّوْجَةُ بَدَوِيَّةً. فَإِنْ سَاكَنَهَا فِي الْبَادِيَةِ لَزِمَهُ لَهَا قُوتُ الْبَادِيَةِ وَكِسْوَتُهُمْ، وَإِنْ سَاكَنَهَا فِي الْحَضَرِ لَزِمَهُ لَهَا قُوتُ الْحَضَرِ وَكِسْوَتُهُمْ، وَكَذَلِكَ الْبَدَوِيُّ إِذَا تَزَوَّجَ حَضَرِيَّةً رُوعِيَ مَوْضِعُ مُسَاكَنَتِهِمَا فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فِي قُوتِهَا وَمَسْكَنِهَا وَكِسْوَتِهَا.

(الْقَوْلُ فِي أُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَثَمَنِ الدَّوَاءِ)

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يُضَحِّيَ لِامْرَأَتِهِ وَلَا يُؤَدِّيَ عَنْهَا أَجْرَ طَبِيبٍ وَلَا حَجَّامٍ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>