للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوسِرٍ وَذَلِكَ مُدٌّ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ لِزَوْجَتِهِ مُدٌّ وَنِصْفٌ، اسْتِدْلَالًا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْإِطْعَامِ دُونَ الصِّيَامِ إِثْبَاتًا لِحُكْمِ الْحُرِّيَّةِ فَكَذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مُلْتَزِمًا لِنِصْفِ زَكَاتِهِ بِنِصْفِ حريته والسيد نَصِفُهَا بِالنِّصْفِ مِنْ رِقِّهِ وَلَمْ يَغْلِبْ حُكْمُ الرِّقِّ فِي إِسْقَاطِهَا عَنْهُ كَذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ.

والثالث: أنه لما كان مورثاً إِذَا مَاتَ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ وَلَمْ يَسْقُطِ الْمِيرَاثُ تَغْلِيبًا لِرِقِّهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي النَّفَقَةِ بِمَثَابَتِهِ.

وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُزَنِيُّ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فِي أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ يَغْلِبُ حُكْمُ رِقِّهِ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، فَلَا يَمْلِكُ مِنَ الطَّلَاقِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ وَلَا يَنْكِحُ إِلَّا زَوْجَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ يَغْلِبُ حُكْمُ الرِّقِّ، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَتَبَعَّضَ النَّفَقَةُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ وَرِقِّهِ حَتَّى يَلْتَزِمَ مُدًّا وَنِصْفًا، لَمَلَكَ مِنَ الْمَنْكُوحَاتِ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ بِنِصْفِهِ الْمُسْتَرَقِّ وَاثْنَتَيْنِ بِنِصْفِهِ الْمُعْتَقِ، وَفِي إِبْطَالِ هَذَا وَتَغْلِيبِ حُكْمِ الرِّقِّ دَلِيلٌ عَلَى إِبْطَالِهِ فِي النَّفَقَةِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الرِّقِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ فِي تَبْعِيضِ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا غَلَبَ فِيهِ حُكْمُ الرِّقِّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ. وهو الجدود وَالْمِيرَاثُ وَالطَّلَاقُ. وَأَعْدَادُ الْمَنْكُوحَاتِ وَزَكَاةُ الْمَالِ، وَسُقُوطُ فَرْضِ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ. فَيَجْرِي عَلَيْهِ فِيهَا أَحْكَامُ مَنْ رُقَّ جَمِيعُهُ.

وَالثَّانِي: مَا تَغْلِبُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الرِّقِّ وَذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَكَالْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ الْخِلَافِ فِيهِ.

وَالثَّالِثُ: مَا يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ بِحَسْبِ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَذَلِكَ الْكَسْبُ وَالنَّفَقَةُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ أُصُولُ الشَّرْعِ كَانَتْ نَفَقَاتُ الزَّوْجَاتِ مُحْتَذِيَةً إِلَى أَحَدِ الْأُصُولِ إِلَّا بِدَلِيلٍ. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَا يَغْلِبُ فِيهِ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قِلَّةُ أَحْكَامِهِ وَضَعْفُ شَوَاهِدِهِ.

وَالثَّانِي: انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَا يَتَبَعَّضُ حُكْمُهُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ لَا تَتَبَعَّضُ فِيمَا عَدَا النَّفَقَةَ فَكَذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>