للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

(كِتَابُ الْقَتْلِ)

(بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ)

(وَمَنْ يَجِبُ عليه القصاص ومن لا يجب)

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم} الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بالحق} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَصْلُ فِي ابْتِدَاءِ الْقَتْلِ وَتَحْرِيمِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِيلَ، وَقَابِيلَ، حَتَّى بَلَّغَ الْأُمَّةَ وَأَنْذَرَهَا فَقَالَ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} [المائدة: ٢٧] يَعْنِي بِالصِّدْقِ، وَيُرِيدُ بِابْنَيْ آدَمَ قَابِيلَ الْقَاتِلَ، وَهَابِيلَ الْمَقْتُولَ {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} [المائدة: ٢٧] وَسَبَبُ قُرْبَانِهِمَا أَنَّ آدَمَ أَقَرَّ أَنْ يُزَوِّجَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِهِ بِتَوْأَمَةِ أَخِيهِ، فَلَمَّا هَمَّ هَابِيلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِتَوْأَمَةِ قَابِيلَ مَنَعَهُ مِنْهَا، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ.

وَفِي سَبَبِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ قَابِيلَ وَتَوْأَمَتَهُ كَانَا مِنْ وِلَادَةِ الْجَنَّةِ؛ وَهَابِيلَ وَتَوْأَمَتَهُ كَانَا مِنْ وِلَادَةِ الْأَرْضِ،.

وَالثَّانِي: لِأَنَّ تَوْأَمَةَ قَابِيلَ كَانَتْ أَحْسَنَ مِنْ تَوْأَمَةِ هَابِيلَ فَاخْتَصَمَا إِلَى آدَمَ فَأَمَرَهُمَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا، وَكَانَ هَابِيلُ راعياً فقرب هابيل سَمِينَةً مِنْ خِيَارِ مَالِهِ، وَكَانَ قَابِيلُ حَرَّاثًا، فَقَرَّبَ حِزْمَةَ زَرْعٍ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ الْقَبُولِ فَازْدَادَ حَسَدُ قَابِيلَ لِهَابِيلَ، فقال: " لأقتلنك " قال: {إنما يتقبل الله من المتقين لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ٢٧، ٢٨] فَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْهَا وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ الْآنَ؛ وَفِي وُجُوبِهِ لِلْفُقَهَاءِ قَوْلَانِ {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣٠] فِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: شَجَّعَتْ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.

وَالثَّانِي: زينت قاله قتادة.

فقتله {فَقَتَلَهُ} [المائدة: ٣٠] قِيلَ: بِحَجَرٍ شَرَخَ بِهِ رَأْسَهُ {فأصبح من

<<  <  ج: ص:  >  >>