للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ، وَقَدْ نَرَى لِلْكَافِرِ سَبِيلًا عَلَى الْمُسْلِمِ بِالتَّسَلُّطِ وَالْيَدِ، وَنَفْيُ السَّبِيلِ عَنْهُ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ.

فإن قيل: وهو مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُمُومِ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ.

وَالثَّانِي: أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ الدَّالَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَلَمْ يَجُزْ حَمْلُهَا عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِغَيْرِهَا.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ ".

وَرَوَى مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ".

وَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَالْأَشْتَرُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شيئاً لم يعهده إلى الناس [عامة؟] فَقَالَ: لَا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَخْرَجَ كِتَابًا مِنْ قِرَابِ سَيْفِهِ فَإِذَا فِيهِ " المسلمون تتكافأ دماءهم، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أدناهم. ألا لا يقتل مؤمن بكافرن ولا ذو عهد في عهده ".

وَرَوَى حَمَّادٌ عَنْ جَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: أَخْرَجَ أَبِي سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذَا فِيهِ الْعَقْلُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً وَلَا يُتْرَكُ مُفْرَجٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.

وَالْمُفْرَجُ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ قَبِيلَةٌ يَنْضَمُّ إِلَيْهَا فَأَمَرَ أَنْ يُضَمَّ إِلَى قَبِيلَةٍ يُضَافُ إِلَيْهَا حَتَّى لَا يَكُونَ مُفْرَدًا.

فَدَلَّتْ هَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.

فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ " أَيْ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " وَذُو الْعَهْدِ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ، وَلَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ؛ لِيَكُونَ حُكْمُ الْعَطْفِ مُوَافِقًا لِحُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَعَنْهُ جوابان:

<<  <  ج: ص:  >  >>