للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ " يَقْتَضِي عُمُومَ الْكُفَّارِ مِنَ المُعَاهَدِينَ، وَأَهْلِ الْحَرْبِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُهُ بِإِضْمَارٍ وَتَأْوِيلٍ، وَقَوْلُهُ: " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عهده " كلام مبتدأ أي: لا يقبل ذُو الْعَهْدِ لِأَجْلِ عَهْدِهِ، وَأَنَّ الْعَهْدَ مِنْ قِبَلِهِ حَقْنًا لِدِمَاءِ ذَوِي الْعُهُودِ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ " مَحْمُولٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ كَافِرٍ مِنْ مُعَاهَدٍ وَحَرْبِيٍّ.

وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْخُصُوصِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ، وَإِنْ قُتِلَ بِالْمُعَاهَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَخْصِيصُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ مُوجِبًا لِتَخْصِيصِ الْآخَرِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا مُسْلِمًا بِكَافِرٍ لَقَتَلْتُ خِدَامًا بِالْهُذَلِيِّ " وَلَوْ جَازَ قَتْلُهُ بِبَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ بَعْضٍ غيره وَلَمْ يُطْلِقْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَمَّا لم يقتل بالمستأمن لم يقتل بالذمي.

وللجمع بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ عِلَلٍ:

إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْكُفْرِ؛ فَوَجَبَ إِذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أَنْ لَا يُقَادَ بِهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ.

وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ دِينُهُ مِنَ اسْتِرْقَاقِهِ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ مَنْ مَنَعَ دِينُهُ مِنَ اسْتِرْقَاقِهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُنْتَقَضٌ بِالْكَافِرِ إِذَا قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي شَرْطِ الْعِلَّةِ إِذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا قَتَلَهُ وَهُوَ كَافِرٌ، فَلَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ الْعِلَّةُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ التَّعْلِيلَ لِلْجِنْسِ فَلَا تَنْتَقِضُ إِلَّا بِمِثْلِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْتَأْمَنُ نَاقِصُ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ دَمَهُ مَحْقُونٌ إِلَى مُدَّةٍ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ تَامُّ الْحُرْمَةِ، مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَأَشْبَهَ الْمُسْلِمَ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اخْتِلَافَ الْحُرْمَتَيْنِ فِي الْمُدَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ الْمُدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَجْنَبِيَّةِ مُؤَقَّتٌ، وَتَحْرِيمَ ذَاتِ الْمَحْرَمِ مُؤَبَّدٌ، وَقَدِ اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الزِّنَا كَذَلِكَ ها هنا.

وَالثَّانِي: أَنَّ لِلنَّفْسِ بَدَلَيْنِ الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ، فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعِ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْحُرْمَةِ مِنْ تَسَاوِيهِمَا فِي الدِّيَةِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَوَدِ؛ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَجِبُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>