للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنَعَهُ الشَّرَابَ دُونَ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ لَا تَحْيَا إِلَّا بِهِمَا إِلَّا أَنَّ الصَّبْرَ عَنِ الطَّعَامِ إِذَا وَجَبَ شَرَابًا أَمَدُّ زَمَانًا مِنَ الصبر عن الشارب إِذَا وَجَدَ الطَّعَامَ.

رُوِيَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ الْإِسْلَامَ اخْتَفَى مِنَ المُشْرِكِينَ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ بِضْعَةَ عَشْرَةَ يَوْمًا، فَكَانَ يَخْرُجُ فِي اللَّيْلِ مِنْ بَيْنِ الأستار فيشرب مَاءَ زَمْزَمَ، قَالَ: فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ " فَبَانَ أَنَّ الْمَاءَ يُمْسِكُ الرَّمَقَ فَيُرَاعَى حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا انْفَرَدَ بِالْعُرْفِ الْمَعْهُودِ فِي الْأَغْلَبِ.

(فَصْلٌ رَابِعٌ)

إِذَا أَلْقَاهُ فِي نَارٍ مؤجحة أَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ نَارًا أَجاجَهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا حَتَّى يَمُوتَ فِيهَا، وَذَلِكَ لِإِحْدَى خَمْسَةِ أَحْوَالٍ.

إِمَّا أَنْ يُلْقِيَهُ فِي حُفْرَةٍ قَدْ أَجَّجَهَا.

وَإِمَّا أَنْ يَرْبِطَهُ فَلَا يَقْدِرُ مَعَ الرِّبَاطِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَإِمَّا أَنْ يَطُولَ مَدَى النَّارِ فَلَا يَنْتَهِي إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَإِمَّا أَنْ يَقِفَ فِي طَرَفِهَا فَيَمْنَعَهُ مِنَ الخُرُوجِ.

وَإِمَّا أَنْ تُثَبِّطَ بَدَنَهُ فَيَعْجَزُ عَنِ النُّهُوضِ فِيهَا، فَهَذَا قَاتِلٌ عَمْدًا وَهُوَ أَشَدُّ الْقَتْلِ عَذَابًا، وَلِذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ بِعَذَابِ اللَّهِ " فِعْلَيْهِ الْقَوَدُ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا فَهَذَانَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَخْرُجَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ حَتَّى يَمُوتَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَفِي الدِّيَةِ قَوْلَانِ فَمَنْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي قَتْلِهِ، أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى مُدَاوَاةِ جُرْحِهِ فَامْتَنَعَ مِنَ الدَّوَاءِ حَتَّى مَاتَ وَجَبَتِ الدِّيَةُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا دِيَةَ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا لَفَحَتْهُ النَّارُ عِنْدَ إِلْقَائِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ بِاسْتِدَامَةِ النَّارِ، وَالَّتِي يُنْسَبُ اسْتِدَامَتُهَا إليه دُونَ مُلْقِيهِ، وَخَالَفَ تَرْكَهُ لِدَوَاءِ الْجُرْحِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْسَبْ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا حَيًّا ثُمَّ يَمُوتَ بَعْدَ الْخُرُوجِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ تَثْبِيطَ بَدَنِهِ بَاقِيًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ كَالْجُرْحِ إِذَا مَاتَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَنْدَمِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>